تعهد الرئيس الصيني شي جين بينج أمس بإلغاء الدعم المالي الحكومي للشركات العامة، الذي "يخل بقواعد المنافسة"، مستجيبا بذلك لطلب الولايات المتحدة التي تتهم بكين بممارسات تجارية غير عادلة.
وفقا لـ"الفرنسية"، فقد وعد الرئيس الصيني خلال خطاب ألقاه في بكين بمناسبة القمة الثانية المتعلقة بالبنية التحتية لمشروع طرق الحرير الجديد، بزيادة الواردات الصينية، وعدم خفض سعر صرف اليوان، وحظر نقل التكنولوجيا المفروض على الشركات الأجنبية.
ويعد الدعم المالي الهائل الذي تقدمه بكين إلى شركاتها العامة أحد نقاط الخلاف بين الصين والولايات المتحدة التي انخرطت منذ نحو عام في حرب تجارية شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
وإضافة إلى معالجة الخلل التجاري بين البلدين، تطالب واشنطن بكين بإصلاحات جذرية، وتعد إدارة ترمب الشركات الصينية المملوكة للدولة منافسا يتلقى مساعدة غير عادلة من الدولة لغزو الأسواق العالمية.
وفي كلمة أمام رؤساء نحو 40 دولة وحكومة، بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هاجم الرئيس الصيني الذي تخوض بلاده حربا تجارية مع الولايات المتحدة، الحمائية، لكن لم يكن هناك مندوبون أمريكيون في القاعة لسماع انتقاداته.
وقال شي "سنتعامل مع جميع الشركات بشكل منصف، لتعزيز ظهور بيئة تجارية قائمة على السوق والقانون"، داعيا إلى رفض الحمائية.
ومن المتوقع أن يصل وفد أمريكي إلى بكين في 30 نيسان (أبريل)، وأعلن ترمب أنه سيستقبل نظيره الصيني في البيت الأبيض "قريبا"، وهو ما يشير إلى أن الأجواء أصبحت مواتية لإبرام اتفاقية محتملة بشأن التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم.
ورغم حديثه المتواصل منذ أسابيع عن لقاء مرتقب مع شي، إلا أن ترمب لم يعلن عن موعد له بعد، وتتفاوض الولايات المتحدة والصين منذ كانون الثاني (يناير) للتوصل إلى اتفاق تجاري شامل يضع حدا للحرب التجارية بينهما.
ويندد ترمب باستمرار بالخلل في الميزان التجاري بين البلدين، وتضخم عجز الولايات المتحدة التجاري مع الصين العام الماضي بنسبة 11.9 في المائة ليبلغ 419.16 مليار دولار.
وأفاد البيت الأبيض أن "المناقشات ستشمل قضايا تجارية من بينها الملكية الفكرية، والنقل القسري للتكنولوجيا، والحواجز التجارية غير الرسوم الجمركية، والزراعة، والخدمات، والمشتريات، وآلية التنفيذ".
وتسعى بكين وواشنطن إلى اتفاق لإنهاء حرب تجارية مريرة كلفتهما مليارات الدولارات وعطلت سلاسل الإمدادات وأثارت اضطرابات في الأسواق المالية، وقال ترمب "إنه يتوقع أن يضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق خلال اجتماعه مع شي".
من جهة أخرى، حاول الرئيس الصيني شي جين بينج الرد على الانتقادات الموجهة إلى مبادرته "طرق الحرير الجديدة" المتهمة خصوصا بأنها "فخ ديون" للدول الفقيرة، مؤكدا أنها مجموعة مشاريع تخدم البيئة وقابلة للاستمرار ماليا بلا فساد، وأن "كل شيء يجب أن يتم بطريقة شفافة مع عدم التسامح نهائيا مع الفساد".
وشدد الرئيس الصيني على أن مبادرة الحزام والطريق يجب أن تكون صديقة للبيئة ومستدامة وأن تسفر عن تنمية "عالية الجودة" للجميع. وتتمثل المبادرة في إعادة بناء طريق الحرير القديم لربط الصين ببقية دول آسيا وأوروبا وما وراءهما، وهي تنطوي على إنفاق ضخم على البنية التحتية وأصبحت مثار جدل، إذ تشكو بعض الدول المشاركة من التكلفة العالية للمشاريع.
ولم تعلن الصين بدقة حجم التمويل المطلوب إجمالا، لكن بعض التقديرات المستقلة تشير إلى أنه قد يصل إلى عدة تريليونات من الدولارات.
وأكدت الصين مرارا أنها لا تسعى إلى توريط أحد في ديون، وأن نواياها خالصة وتتطلع إلى استغلال القمة المنعقدة في بكين في إعادة تقييم السياسة وتبديد بواعث القلق.
وقال شي في افتتاح القمة "إن حماية البيئة لا بد أن تعزز هذه الخطة من أجل حماية البيت الكبير الذي نعيش فيه".
وأضاف "لا بد أن نتمسك بمفهوم الانفتاح والحفاظ على البيئة والنظافة. فلنعمل في ضوء الشمس ولنكافح الفساد دون تهاون".
وأشار إلى أن إقامة بنية تحتية شاملة عالية الجودة قادرة على البقاء ومقاومة للمخاطر وبأسعار معقولة ستساعد الدول على الاستفادة الكاملة من مواردها.
وهناك اعتقاد بين الحكومات الغربية بأن هذه وسيلة لمد النفوذ الصيني في الخارج وتكبيل الدول الفقيرة بديون غير محتملة.
ورغم أن معظم مشاريع الحزام والطريق جارية كما هو مخطط لها، تعطل بعضها بسبب تغييرات في حكومات دول مثل ماليزيا والمالديف. ومن بين المشاريع التي نحيت جانبا لأسباب مالية محطة لتوليد الطاقة في باكستان ومطار في سيراليون، واضطرت الصين في الشهور الأخيرة إلى درء الانتقادات قائلة إنه ما من دولة واحدة مثقلة بما يصفه البعض "بفخاخ الديون".
ويرى الرئيس الصيني أن مبادرة الحزام والطريق ستفتح أيضا فرصا تنموية أمام الصين تماما مثلما تتوسع الصين نفسها في فتح أسواقها أمام العالم.
وأضاف "نظرا إلى الحاجة لمزيد من الانفتاح، سنحسن القوانين واللوائح وسننظم سلوك الحكومة على المستويات كافة في مجالات إصدار التصاريح الإدارية والإشراف على الأسواق وغيرها ونبذ وإلغاء اللوائح وأوجه الدعم والممارسات غير المنطقية، التي تعوق المنافسة النزيهة وتشوه السوق".
وتعهد بتقليص واضح في القائمة السلبية التي تعرقل الاستثمارات الأجنبية وبالسماح للشركات الأجنبية بالحصول على حصة أغلبية أو حتى إقامة شركات مملوكة لها بالكامل في مزيد من القطاعات، كما تعهد بتقليل التعريفات وإزالة الحواجز الأخرى. من بين الزعماء الحاضرين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان ورئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي الذي أصبحت بلاده في الآونة الأخيرة أول دولة في مجموعة السبع توقع على المبادرة.
وأفاد متحدث باسم السفارة الأمريكية في بكين "نواصل التعبير عن قلقنا الشديد من تجاهل أو تقويض أنشطة البنية التحتية الصينية للمعايير وأفضل الممارسات الدولية المتصلة بالتنمية وحماية العمالة والبيئة".
وخاطب رئيس وزراء كمبوديا هون سين منتقدي مبادرة الحزام والطريق الذين وصفوها بأنها فخ ديون، مشيرا إلى مثال ناجح لطريق سريع موله الصين يربط بين فنومبينه ومدينة سيهانوكفيل الساحلية.
وأضاف هون سين "لم تنجح كمبوديا في التخطيط لهذا المشروع لتحقيق النفع لشعبها فحسب، إنما طبقت أيضا هندسة مالية كي لا تزيد الدين العام على الدولة".
من جهتها، ذكرت كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي أن الاستثمارات التي تندرج في إطار "طرق الحرير الجديدة" يجب "ألا توظف إلا في الأماكن التي تكون فيها قابلة للاستمرار".
ودعت في كلمة إلى "شفافية أكبر واستدراجات عروض مفتوحة وتنافسية وتقييم أفضل للمخاطر عند انتقاء المشاريع"، مشيرة إلى أنها تشعر بالارتياح، لأن الصين بدأت تعالج قضايا البيئة والمديونية التي تندرج في إطار مبادرتها.
وقال تشياو ويمينج المسؤول الصيني المكلف بالبرنامج "إن الصين استثمرت منذ إطلاق مبادرتها هذه في 2013، 80 مليار يورو في مشاريع متنوعة بينما قدمت المصارف الصينية قروضا تراوح قيمتها بين 175 و265 مليار دولار".
من جانبه، دعا رئيس كازاخستان السابق نور سلطان نزارباييف الاتحاد الأوروبي إلى الانضمام إلى المبادرة الصينية من أجل إقامة "اتحاد أوروآسيوي شامل".
من جهته، اقترح رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الحليف المقرب من بكين إنشاء "مكتب للتعاون في مكافحة الفساد" في إطار "طرق الحرير الجديدة"، كما اقتراح زرع مائة مليار شجرة خلال سنتين من أجل مكافحة ارتفاع حرارة الأرض، وأكد الرئيس الصيني أن طرق الحرير الجديدة ليست "ناديا" محصورا على البعض. http://www.aleqt.com/