قصة مدفوعة الثمن " موضي .. وأول حب ! " للسادة الاعضاء النبلاء
 

<div>هذه القصة ليس فيها من وحي الخيال إلا ما كان وحيا ولا من الكذب والزور إلا ماكان كذلك ، اهديها للسادة النبلاء الذين لم تزل قلوبهم تحمل بقايا إنسان .. يتأملون من خلاله مشهد الحياة الحقيقي .. للطيبين الذين سحقتهم أو تكاد أقدام اللصوص وقطاع الطرق والراسماليين و"عيال الـ...." ..!




<font size="5"><font face="traditional arabic"><b><div align="center">
(1)
أول حب استقر في قلبي وسكن جوارحي وطاف بي مدن الأحلام وعلمني أن الحب ضوابط لا ضابط لها ومعاني لا معنى لها ومشاعر اسمى من أن توصف ببضع كلمات وأحرف وعبارات وشعارات وقصائد ، أول حب زلزلني ونزل كل الاعصار على قلبي وجعلني اتقلّب في الليل واناجي القمر واعد النجوم هو حب فتاة سمراء جداً كليلٍ أنكره القمر .. سماراً فخيماً وقوراً يُشعرك بالدفء والاحتواء ..
كنت صغيراً هزيلاً نحيلا ضعيفاً ضئيل الجسم دقيق العظام لاصب الجلد حينما أقف أمامك لا تدري أتراني أم يُخيّل إليك بأنك تراني ..
وكان والدي كلما دخل البيت .. ورآني ألعب أو اصعد أو أنزل .. نظر إلى أمي وقال هذا ليس صبياً كاملاً .. هذا عيّنة صبي بانتظار الموافقة على إصداره .. ثم يمضي ولا يدري أي شيء خلفه داخل قلبي ..
في فجر يومٍ ما .. حمل والدي متاعنا واجسادنا وأرواحنا واحلامنا لننتقل من القرية الصغيرة النائية إلى المدينة ، من الهدوء إلى الضجيج ومن السكينة إلى الصخب ومن النظام إلى الفوضى ومن الثبات إلى الشك ومن الطمأنينة إلى الخوف ومن المعلوم إلى المجهول ..
وصلنا إلى المدينة بعد رحلة طويلة وشاقه لم تذق عيني فيها طعم النوم بسبب القلق الذي كنت احمله في صدري من جراء هذا الانتقال المشئوم ،
كنت خائف جداً من المجهول أشعر بريبة مما ينتظرنا هناك ..
نزلنا في حي عتيق في مدينة الرياض وكنا غرباء بحق ، وكان حدسي في محله فالحي بالنسبة لي مخيف جداً ..
كل ساكنيه من ذوي البشرة السمراء على حد ما رأيت ..
ومن هنا بدأت قصتي ..
ضعفي وصغر حجمي ووحدتي كيف لها أن تدفعني للخروج من البيت ،
وأبناء الجيران كلهم من جنس ولون واحد ..
كان يخيّل لي بأنهم وحوش تريد أن تنقض علي
كنت أشعر بأنهم في انتظاري يدبرون لي مكيدة ويتحدثون عني ،
كنت أسمعهم جيدا أو هكذا كنت أتخيل ..
لذا هيهات أن اخرج قبل أن تخرج روحي !.
لكن في المقابل كيف استطيع أن أصارح والدي بخوفي وجبني ؟
وقد كان رجلا عظيما مهيبا صارما قاسياً حياته لا تعرف الهزل والضحك والمزاح
كأنها مسألة رياضيات لا تحتمل إلا جواباً واحداً فقط
وكأنه لم يسمع بحديث "تبسمك في وجه أخيك صدقة"
حتى أنني لم أر اسنانه إلا مرة واحدة خلسة على سفرة الطعام !!
فأمسيت وأنا استعرض خياراتي واستشرف مصيري وكأني جندي تائه في جيش طارق بن زياد وهو يخطب في الناس ويقول : البحر أمامكم والعدو من خلفكم ..
كانت خيارات مصيرية بالنسبة لطفل صغير بريء مثلي ..
لكن الله حباني بأم متعلمة جداً تحمل درجة الدكتوراه في علم التربية والاجتماع وعلم النفس
بالرغم من كونها لا تعرف ما الفرق بين الألف والياء إذا طبُعت على ورقة وعندما يعرض عليها حرف النون لا تراه نوناً كما نراه نحن .. بل نصف دائرة في
أعلاها نقطة !
كانت تفطن لحاجاتي الملحة دون أن أتكلم وتعرف ما بي وماذا احتاج دون أن اسألها وتتصور العوائق التي من الممكن أن تواجهني قبل أن تواجهني..
فكانت تغرس فيني معاني تربوية جليلة تعزز من شخصيتي وتدفعني لمواجهة الناس ومصاعب الحياة ، علمتني أني قوي جداً أكثر مما اتخيل .. وفوق ما اطمح .. وأكبر مما أتمنى ..لكن قوتي في عقلي .. صوّرت لي بأني خارق الذكاء واخبرتني بأن الاذكياء ينتصرون دائماً .. وبأن الثور النشيط الهائج يموت بسرعة بفعل رصاصة حقيرة جداً ، بالطبع لم تكن تحرضني على استخدام السلاح بل كانت تعلمني أن أفكر باحثاً عن طريقة للنجاة كلما وقعت في مأزق ، علمتني انه وبالرغم من ضعفي البدني بإمكاني أن انتصر في أي معركة ستواجهني إذا استخدمت عقلي جيداً
لذا كنت اعتقد بأنني استطيع أن اتغلب على أي احد من خلال خطة محكمة أقوم بضبطها بشكل جيد ، وبأن رأسي الصغير يحوي خلايا نشطة لو تحولت إلى طاقة لكانت كفيلة بأن تقتل فيل آسيوي ضخم على ظهره قبيلة هندية ذات عدد ، أو هكذا كانت تريدني أمي أن اصدق ..!
لذا قررت أن ابحث عن خطة تراعي هذه الخيارات المؤلمة والضيقة جداً بين أبي وأبناء الجيران تنجيني من عذابٍ أليم ..
تسللت إلى الشارع خلسة واتخذت ساتر جيد لأقوم باستطلاع متقدم للمنطقة ونشاط العدو ، درست طبيعة الأرض ومسرح العمليات ومصادر القوة والضعف لدى العدو وطرق الاقتراب وخطوط الاسناد حتى استقام الأمر عندي على بينه لا يتخللها شك وحق لا يدخله باطل وصواب لا خطأ فيه ..
كان العدو ممتد على مساحة أربعة بيوت متجاورة كلهم ينزعون إلى أصل واحد وعدد الأطفال الذين يشكلون خطراً على حياتي وصحتي ومستقبلي وسمعتي سبعة ، اربعة منهم أولاد وثلاث فتيات ، وكانت اشدهم قوة وأكثرهم منعة واقواهم وأصلبهم فتاة تدعى "موضي" كانت زعيمة العصابة وسيدة المكان وملكة الحارة وتاج رأسها وعينيها ..فعلمت أنه لا سبيل للنجاة إلا من خلالها ..
فقررت بذكائي المزعوم الذي حشرته أمي في رأسي أن اتودد إليها .. واكسب رضاها وافوز بودها .. وعندها تنتهي المشكلة ... بهذه السهولة ..! ياله من ذكاء خارق ويالها من فكرة عبقرية !
لبست أحسن ثيابي وسرّحت شعري وأخذت اجود لعبة عندي واحبها إلى قلبي ولففتها بقطعة قماش معطرة ثم زوّرت في نفسي كلاماً جيد جداً ثم حملت جسدي الضعيف ومشيت بخطى ثابتة وواثقة نحوها ، وكان لها مجلس معلوم يقصده الأطفال من كل بيت بعد كل صلاة عصر في وسط الحارة تماماً وعلى رصيف محايد بالقرب من بيتها يطل على تقاطع حيوي ونقطة حاكمة في الحي تستطيع من خلاله أن تكشف كل خارج ووالج وصاعد ونازل في الحارة ولا يفوتها شيء كما كانت تمارس فيه سلطاتها التشريعية والتنفيذية وتقضي بين الأطفال بما يفتح الله به عليها فتصلح بين متخالفين وتفرّق بين صديقين وتعطي وتمنع وتخفض وترفع وتجلد وتضرب لا يسألها أحد عن شيء فعلته لما فعلته وأطفال الحارة يجلسون حولها ويحفون مجلسها مبايعين ومستسلمين ..
أتذكر جيداً الخطوة الأولى في الطريق إليها .. كانت خطوة ثقيلة ومرهقة جداً .... كأني أحمل على ظهري سلسلة جبال السراوات وكان الطريق طويل جداً أطول من طريقنا من القرية إلى المدينة رغم انه في الحقيقة لا يتجاوز بضعة أمتار صغيرة .. وكان مظلماً جداً أشد ظلاماً من قلب ملحد يبحث عن سر الوجود رغم كون الشمس غضه طريه وتسود المكان آنذاك .. كما كان مخيفاً وفظيعا ومريعا الضباع تحيط به من كل جانب هكذا كنت اتخيل ..
لكن هذا لم يمنعني من مواصلة السير ..
اقتحمت مجلسهم وأنا اتصنع الثقة والثبات رغم أن الخوف يزلزل قلبي ويطرق صدري يكاد يحطمه ويناديني بصوت لا يسمعه غيري