ارحموا الجيل ولاتجنوا على الدين !!!
 

ارحموا الجيل ولاتجنوا على الدين !!!

العلم الشرعي أشرف العلوم وأجلها ، ﻷن شرفه من شرف منبعه ، وجلاله من جلال مصدره ، وحامله وريث اﻷنبياء والرسل ، نصوصه النقلية وحي من السماء ، وليست هذرا من البشر ، أمره خطير ، وشأنه عظيم ، من زلت قدمه فيه هوى وابتدع ، ومن تطاول عليه انتكس وارتكس ، ومن تعالم فيه هتك وفضح ، أهله الحقيقيون مصابيح الدجى ، ونجوم السماء ، وملح البلد ، وأوتاد اﻷرض ، شرفوا به ، ولم يشرف بهم ، عرفوا قدره ، فأعلى قدرهم ، صانوه فصانهم ، ولوا ابتذلوه لابتذلهم ، اتخذوه مطية للقربى من ربهم ، ولم يستغلوه وسيلة للمناكفة والمحاججة ، فما أبعدهم عن اﻷضواء والظهور !!! وما أسمى مكانتهم في قلوب البشر !!! هم أعرف الناس بالله وأتقاهم له ، طلقوا الدنيا ، وخافوا الفتن ، إنقاذا لدينهم ، وحماية للعلم الشرعي الذي يحملونه على عواتقهم !!!
أضفى عليهم العلم وقاره ، وأسبل على مكانتهم إزاره ، إذا نطقوا غرفوا من بحر ، وإذا أرشدوا الناس تﻷﻷت الﻵلئ والجواهر من أفواههم بدلا من الكلمات !!!
تعلموا قواعد الدين وأصوله ، وتفقهوا في أحكامه ومقاصده ، يزنون كلامهم بميزان الحق ، ويقيسون ألفاظهم بمقياس العدل ، ويترفعون عن السقوط في جدل عقيم ، أو مرتع رخيص ، أو مسلك منحرف ، إذا علموا أفتوا ، بعدا عن كتم العلم ، وإذا جهلوا قالوا الله أعلم ، ﻷنهم عرفوا قدر العلم الشرعي ومنزلته في قلوبهم ، ولايضيرهم أن ينعتوا بالجهالة من الناس ، ﻷنهم يتعاملون مع الله قبل أن يتعاملوا مع البشر ، فهل ضر أبا حنيفة والشافعي ومالكا وابن حنبل أن قالوا في بعض المسائل الله أعلم ؟؟!! فأي أرض تقلهم ، وأي سماء تظلهم ، أن يقولوا في دين الله بغير علم !!!
والدين الإسلامي يفهم عن طريق العلم الشرعي بالوحيين العظيمين ، القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، مع الأخذ باﻹجماع والقياس والعرف والمصالح المرسلة والاستحسان ونحو ذلك ، وهذا الدين الإسلامي يتكون من أصول وفروع ، وكليات وجزئيات ، وعقائد وشرائع ، وعبادات ومعاملات ، واﻷصول عند أهل السنة والجماعة وعلماء السلف ثابتة لاتغيير ولاتحريف فيها ، أما الفروع فالاختلاف فيها سائغ ، ومن اﻷصول مايتعلق بالعقائد ، وعندما يتحدث العالم الشرعي في المسائل فعليه أن يرد الفروع إلى اﻷصول ، والجزئيات إلى الكليات ، وصغار المسائل إلى القواعد واﻷصول ، وبدون رد المسائل إلى أصولها وقواعدها يتم الانحراف والضلال ، فتختلط عند العالم الشرعي اﻷوراق ، وتنعدم الرؤية ....!!! فيقول بلا علم وهدى .
وعندما تناقش القضايا والمسائل الشرعية فلا يجوز لنا أن نقدم قول أي عالم من العلماء مهما كانت منزلته في أي زمان ومكان ، على قول الله وقول رسوله ، هذا لايجوز شرعا بنص القرآن الكريم ، ﻷن كلام الله وكلام رسول الله يحتج بهما ولايحتج لهما ، فكيف يقدم ما يحتج لهما على مايحتج بهما ؟؟!! أليس كلام الله وكلام رسول الله مجال التشريع في دين الله ؟؟!! فكيف نجعل كلام البشر شريعة في الدين بدلا من شريعة الله ؟؟!!
ولو قبلنا كلام العلماء بديلا عن كلام الله ورسوله ، فمعنى ذلك أننا معرضون للتغيير والتبديل إلى مالا نهاية في دين الله !!! ﻷن كلام العلماء واختلافاتهم لاتنتهي ، والمحك عند الاختلاف الرجوع إلى كلام الله ، وكلام رسول الله ، وهل وحي الله الكامل التام في الكتاب والسنة لايكفينا حتى نبحث عن تشريع آخر في أقوال العلماء ؟؟!! لماذا عندما نقول : قال الله تعالى ، وقال رسوله ، يقول بعض الدعاة قال فلان من العلماء ، وقال علان ؟؟!! هل يجوز أن ترد كلام الله وكلام رسوله بكلام البشر ؟؟!! هل تتهم رسول الله بعدم التبليغ عن ربه ، فتلجأ إلى كلام البشر ؟؟!!
وهل يجوز لك أيها العالم الشرعي عندما تناقش المسائل الفقهية أن تورد اﻷدلة التي توافق هواك ، وتدع اﻷدلة اﻷخرى التي لاتوافق هواك ؟؟!! هل تؤخذ شريعة الله انتقاء بميزان الهوى ؟؟!! أم يجب على العالم الشرعي أن يبسط اﻷدلة جميعها الواردة في المسألة بكل أمانة وتجرد ، ثم يستنبط اﻷحكام من أدلتها التفصيلية وفق قواعد الاستنباط وأصوله بمنهجية علمية رصينة ؟؟!! هل العلم الشرعي يؤخذ انتقاء ؟؟!! أم يؤخذ كاملا متكاملا ؟؟!! هل يجب أن نخضع الدين الإسلامي ، ونصوصه الشرعية ﻷهوائنا ورغباتنا ؟؟!! أم نخضع أهواءنا ورغباتنا للدين الإسلامي وحكم الله ورسوله ؟؟!! ألم ترد النصوص الشرعية اﻵمرة بالرضوخ لحكم الله وحكم رسوله ، ليتحقق إيماننا بالله ورسوله ؟؟!!
أيهما الحكم على اﻵخر ، الدين أم اﻷهواء ؟؟!! طبعا الدين الإسلامي بلاشك !!
وعلى رأس أصول الدين اﻹسلامي في العقائد عقيدة التوحيد ، عقيدة لاإله إلا الله ، محمد رسول الله ، ولايعني اﻹيمان بالشهادتين هو مجرد النطق بهما ، دون العمل بمقتضياتهما ، ﻷن الشهادتين لهما مقتضيات في دين الله ، وبدون تنفيذ المقتضيات ينتفي معنى اﻹيمان بهما انتفاء كاملا أو ناقصا ، حسب اﻷحوال !!! وأي قيمة شرعية ﻹيمان من ينطق بالشهادتين وهو يرتكب مايوجب نواقض الشهادتين ، كما هو عند بعض الفرق الضالة ، مثل : الشيعة الرافضة ، واﻹسماعيلية ، واﻹباضية ، وماشابههم من الفرق الباطنية ؟؟!!
وما أحجم كفار قريش عن النطق بالشهادتين والدخول في اﻹسلام إلا ﻷنهم يعرفون جيدا مقتضى النطق بالشهادتين ، وهو العمل والتطبيق ، وليس مجرد النطق بهما ، فما أسهل النطق بهما !!! أما الفرق الباطنية فإنهم قد غشوا مقتضى الشهادتين ، حيث نطقوا بهما ، لكنهم اعتنقوا عقائد منحرفة عن معنى الشهادتين ، بمايناقضهما ، فصاروا أخبث من اليهود والنصارى المتبعين للكتب السماوية المحرفة المنسوخة ...!!!
فهل يجوز أن نفتي الناس ، ﻷننا حفظنا حديثا شريفا أو حديثين ؟؟!! فنستدل بظاهر هذا الحديث الشريف أو الحديثين دون فهم مقتضياتهما ، في تصنيف من يرتكب البدع الكفرية من الفرق الباطنية ، وندع اﻵيات القرآنية واﻷحاديث اﻷخرى ، لنقول بلا علم بأن الرافضة أو اﻹسماعيلية أو اﻹباضية إخوة ﻷهل السنة مسلمون يتعبدون الله بما يرونه من اجتهادهم ؟؟!! هل يجوز أن نقر الضال شرعا في أصول العقائد على ضلاله ، فيصبح ضلاله حقا بناء على اجتهاده الذي يتضمن طعنه الصريح بالذات اﻹلهية ، والقرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وتكفير الصحابة ، واتهام أمهات المؤمنين بالخيانة ، واعتناق الشركيات الكبرى ؟؟!! فأين الحق الذي عليه أهل السنة في أصول الدين إذن ؟؟!! هل أهل السنة على باطل أم على حق ؟؟!! إذن أين الحق ؟؟!! وأين الباطل ؟؟!! هل هو في مذهب أهل السنة أم في مذهب أهل الشيعة ؟؟!! هل يجوز الاجتهاد الشرعي في عقائد الدين وأصوله ؟؟!! ألم تعارض ضلالات الفرق الباطنية نصوص الكتاب والسنة معارضة مباشرة صريحة ؟؟!! ألم تكفر ضلالات الفرق الباطنية بمقتضى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ؟؟!! فلماذا إذن نعد انحرافاتهم الكفرية اجتهادات شرعية سائغة ؟؟!!
هل الفرق الباطنية التي ترتكب موجبات الكفر كاﻹسماعيلية مثلا تنتفي تلك الموجبات الكفرية عنها بعوامل اﻷمكنة الجغرافية ، والحدود السياسية ، بقدرة قادر ؟؟!! هل نريد أن نقول إن من يرتكب البدع الكفرية ليس بكافر نتيجة انصهاره تحت مظلة الوطن ، ﻷن الوطن عندنا فوق الدين الإسلامي ؟؟!! هل يجوز ذلك شرعا ؟؟!!
إن أهل السنة والجماعة يتمتعون بخصائص دقيقة محددة ، اقتبسوها من نور كتاب الله وسنة رسوله اتباعا دون ابتداع تطبيقا عمليا دقيقا في العقيدة والشريعة والسلوك ، وأهل البدع من الفرق الباطنية قد اعتنقوا عقائد باطلة ، ضد عقائد السنة ، يصل أغلبها إلى حد الكفر الصريح ، في ضوء نواقض اﻹسلام المقررة شرعا ، والذي يفرق بين أهل السنة والشيعة هو مقتضى عقيدة السلف الصالح ، وفق مذهب أهل السنة والجماعة ، تلك العقيدة التي لاتحابي أحدا ولا تجامله كائنا من كان ، وإذا فرقت تلك العقيدة بين المسلم والكافر ، فلاتستطيع حينئذ آصرة الوطن أن تجمع السني والرافضي على مائدة اﻹسلام أبدا !!! ﻷن الدين يعلو ولا يعلى عليه ، وما جاء الوطن إلا لخدمة الدين وتطبيقه في واقع الحياة على أرض الوطن !!! وأخوة الدين تعلو على أخوة الوطن ، وإن كانت القيم الوطنية تجعل المسلم كالكافر ، فمعنى ذلك أن القيم الوطنية قيم وثنية لاتفرق بين الحق والباطل ، وهي ذاتها تحارب الدين الإسلامي ، وتحارب الثوابت الإسلامية ، وبدلا من أن تساهم القيم الوطنية في حضارة اﻷمم ورقيها أصبحت ترجع باﻷمم إلى الوراء في جاهلية وتخلف مقيت في المفاهيم والتصورات ، ﻷن تطبيق مقتضيات الدين الإسلامي في سلوك المسلم هو الحضارة الحقيقية والتقدم الحقيقي ....!!!
هل يجوز لداعية إسلامي أن يستغل وسائل الإعلام ليزمجر ويرعد ويزبد ، فيظنه الناس عالما فيفتي بلا علم في أصول الدين وعقائده ، فيحدث بلبلة في المجتمعات ، وشرخا في العقائد واﻷصول ؟؟!! فأين علماؤنا الكبار من هذه الفوضى التي صار فيها دين الله مجالا للتلاعب من الجهلة والمتعالمين ؟؟!! فيا أخي المتعالم إذا لم تكن عارفا فتعلم ، لاتفت بلا علم ، ولاتفت الناس برأيك ، فأنت تتعامل مع شرع الله ، ولست أمام مزايدة اقتصادية تزيد فيها وتنقص ، فآفة العلم الجهل ، ودواء الجهل السؤال ، فاسأل أهل الذكر مادمت لاتعلم ، لاتقل في دين الله مالا تعلم ، فتزل قدمك في الضلالة وأنت لا تدري ، فتهوي بماقلته في دركات ودركات ، أعلن رجوعك وأعلن توبتك على المﻷ ، ليعلم الناس الحق من الباطل ، لئلا تتحمل وزر من اتبعك في الضلال ، ماذا أنت قائل لربك غدا إذا وقفت بين يديه ؟؟!! فإن اﻷمر خطير ، وخطير جدا ، ولايعيب الداعية اﻹسلامي أن يقول لا أعلم إذا لم يكن يعلم ، فأصحاب المذاهب الفقهية على علو شأنهم في العلم الشرعي قالوا لا أعلم ، ﻷنهم عرفوا جلال العلم ، وتأثير فتواهم على حياة الناس !!! فزكت مكانتهم في القلوب ، ﻷنهم لايفتون بلا علم ...
ومن الجهل أن يستمر الداعية في تبرير كلامه برأيه ، ونسي أنه يتكلم بالشرع وبقول الله وقول رسوله ، وليس برأيه انتصارا لنفسه ، فيمنعن بالضلال ، ولو رجع عن كلامه بلا علم لكان خيرا له وأزكى ، وعليه أن يؤسس قاعدته في العلم الشرعي قبل أن يتصدى للفتوى بلا علم ، يتعلم اﻷصول والقواعد ، يتعلم علوم القرآن الكريم ، يتعلم طرق الاستنباط والاستدلال ، يتعلم أصول الفقه ومصطلح الحديث ، يدرس العام والخاص ، والمطلق والمقيد ، والناسخ والمنسوخ ، ويقرأ في علم الحديث ، يقرأ في الجرح والتعديل ، يقرأ في علم الرجال ، يدرس اللغة العربية كوسيلة لفهم النصوص الشرعية ، والخطير في اﻷمر أنه أمام وسائل الإعلام وأمام العالم كله يتجاسر على مالا يتجاسر عليه العلماء الكبار ، وكأنه يقول أنا أفعل مالم يفعله كبار العلماء ، فأنا أجسر منهم في القول ، (أعوذ بالله) فيقول بكل جرأة في شرع الله بلا علم ، بل يخوض في رأيه ، ليفتي في جواز بعض الموسيقى وبعض التصوف ، فيحدث شرخا عميقا من الابتداع بلا دليل شرعي في عقول الجيل بدلا من الاتباع على مذهب السلف الصالح ، مذهب أهل السنة والجماعة الذي تقوم عليه بلاد الحرمين الشريفين ، فأين دور العلماء الربانيين أمام المبلبلين الذين يقولون بمالا يعلمون ، ويفتون الناس قبل أن يتعلموا قواعد اﻹفتاء ، ويستغلون وسائل الإعلام لنشر البدع والضلالات ، ويستخدمون المصطلحات الشرعية ، والكلمات الرنانة بزهو وثقة فيغتر بهم العامة فيظنهم علماء ، وهم ليسوا كذلك ، وهذا هو مكمن الخطر ؟؟؟!!! والله الموفق .

المشرف التربوي : عبدالعزيز بن محمد المقوشي .
إدارة تعليم محافظة البكيرية .