كلمات كتبها رحمه الله عن هذه الآية الكريمة تحمل معاني كبيرة و تلامس القلوب الحية ..
{مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون}
إنه تصوير عجيب صادق لحقيقة القوى في هذا الوجود. الحقيقة التي يغفل عنها الناس أحياناً، فيسوء تقديرهم لجميع القيم، ويفسد تصورهم لجميع الارتباطات، وتختل في أيديهم جميع الموازين. ولا يعرفون إلى أين يتوجهون. ماذا يأخذون وماذا يدعون؟
وعندئذ تخدعهم قوة الحكم والسلطان يحسبونها القوة القادرة التي تعمل في هذه الأرض، فيتوجهون إليها بمخاوفهم ورغائبهم، ويخشونها ويفزعون منها، ويترضونها ليكفوا عن أنفسهم أذاها، أو يضمنوا لأنفسهم حماها!
وتخدعهم قوة المال، يحسبونها القوة المسيطرة على أقدار الناس وأقدار الحياة. ويتقدمون إليها في رغب وفي رهب؛ ويسعون للحصول عليها ليستطيلوا بها ويتسلطوا على الرقاب كما يحسبون!
وتخدعهم قوة العلم يحسبونها أصل القوة وأصل المال، وأصل سائر القوى التي يصول بها من يملكها ويجول، ويتقدمون إليها خاشعين كأنهم عباد في المحاريب!
وتخدعهم هذه القوى الظاهرة. تخدعهم في أيدي الأفراد وفي أيدي الجماعات وفي أيدي الدول، فيدورون حولها، ويتهافتون عليها، كما يدور الفراش على المصباح، وكما يتهافت الفراش على النار!
وينسون القوة الوحيدة التي تخلق سائر القوى الصغيرة، وتملكها، وتمنحها، وتوجهها، وتسخرها كما تريد، حيثما تريد.
وينسون أن الالتجاء إلى تلك القوى سواء كانت في أيدي الأفراد، أو الجماعات، أو الدول.. كالتجاء العنكبوت إلى بيت العنكبوت.. حشرة ضعيفة رخوة واهنة لا حماية لها من تكوينها الرخو، ولا وقاية لها من بيتها الواهن.
وليس هنالك إلا حماية الله، وإلا حماه، وإلا ركنه القوي الركين.
هذه الحقيقة الضخمة هي التي عني القرآن بتقريرها في نفوس الفئة المؤمنة، فكانت بها أقوى من جميع القوى التي وقفت في طريقها؛ وداست بها على كبرياء الجبابرة في الأرض ودكت بها المعاقل والحصون.
لقد استقرت هذه الحقيقة الضخمة في كل نفس، وعمرت كل قلب، واختلطت بالدم، وجرت معه في العروق، ولم تعد كلمة تقال باللسان، ولا قضية تحتاج إلى جدل. بل بديهة مستقرة في النفس، لا يجول غيرها في حس ولا خيال.
قوة الله وحدها هي القوة. وولاية الله وحدها هي الولاية. وما عداها فهو واهن ضئيل هزيل؛ مهما علا واستطال، ومهما تجبر وطغى، ومهما ملك من وسائل البطش والطغيان والتنكيل.