"سواء كان لدي 50 دولاراً أو 100 دولار أو 200 مليون دولار، سأقوم بوضع 80% من هذه الأموال في 5 أسهم فقط، بشرط ألا يزيد حجم أكبر مركز على 25% من رأسمالي. في عام 1964، عثرت على سهم أردت وضع 40% من رأسمال شركتي به. حينها أخبرت مستثمري الشركة بذلك كي يسحب أمواله من لا يعجبه قراري. ولكن لم ينسحب أحد. هذا السهم هو سهم أمريكان إكسبريس."
وردت العبارات السابقة على لسان المستثمر الأمريكي الشهير "وارن بافيت" في الاجتماع السنوي لمساهمي شركته "بيركشاير هاثاواي" في عام 2008 في معرض حديثه عن نهجه الاستثماري الذي يوصف بالمُركز.
الحجم الأمثل لكل سهم ضمن المحفظة
بشكل أساسي، يعتمد النجاح في سوق الأسهم على قدرة المستثمر على اتخاذ القرارات الصحيحة. وأهم هذه القرارات على الإطلاق بعد التدقيق واختيار أفضل الأسهم هو تحديد المستثمر لحجم الأموال التي سيقوم بتخصيصها لكل سهم ضمن المحفظة. بعبارة أخرى، تعتمد ربحية المحفظة على قدرة المستثمر على تحديد الحجم الأمثل لكل مركز.
بعض المستثمرين يستخدمون نموذجا مبسطا لإنشاء محافظهم الاستثمارية، يقومون خلاله بتوزيع رأسمالهم بالتساوي على الأسهم الموجودة بالمحفظة. فإذا افترضنا مثلاً أن المستثمر لديه 100 ألف ريال ويرغب في بناء محفظة مكونة من 10 أسهم، ففي هذه الحالة سيقوم بتخصيص 10% من رأسماله أو 10 آلاف ريال لكل سهم.
إلى جانب بساطتها، تساعد هذه الاستراتيجية المستثمر على تجنب خطر الإفراط في تخصيص رأس المال لسهم واحد، وخصوصاً إذا كان قليل الخبرة، ولكن في نفس الوقت يوجد بهذه الطريقة عيب خطير وهو أنها لا تأخذ في اعتبارها الاختلافات الموجودة بين الأسهم، وتظلم الأسهم عالية الجودة بإعطائها نفس المساحة المخصصة للأسهم الأضعف أداءً، وهو ما يؤثر سلبياً على عوائد المحفظة.
هناك استراتيجية بديلة تتمثل في تخصيص الجزء الأكبر من رأس المال في الأسهم ذات الاتجاه الصعودي المحتمل، بحيث يتناسب حجم الاستثمار مع حجم العوائد المتوقعة ودرجة التأكد من تحقق تلك العوائد. والمحافظ المدارة وفق هذه الاستراتيجية نجد أن أغلب رأسمالها مُركز في عدد قليل من الأسهم المختارة بعناية.
"معيار كيلي" .. صيغة سحرية؟
واحدة من الطرق التي يستخدمها المستثمرون في تحديد الوزن الأمثل لكل سهم ضمن المحفظة هي طريقة "معيار كيلي" أو (Kelly Criterion) التي تحظى بشهرة بين المستثمرين المحترفين والمستثمرين المؤسساتيين ولا تحظى بمثلها بين صغار المستثمرين.
"معيار كيلي" هو عبارة عن صيغة رياضية توصل إليها عالم الفيزياء الأمريكي "جون كيلي" في عام 1956 أثناء عمله في مختبرات "بل" التي كانت تابعة في ذلك الوقت لشركة الاتصالات "إيه تي آند تي". وهي في حقيقتها نسخة مطورة من صيغة رياضية أخرى تعود لعالم الرياضيات الشهير "كلود شانون".
هذه الصيغة الرياضية تم تطوريها بالأساس لمساعدة المراهنين على التعرف على الحجم الأمثل للرهان في ضوء احتمالات المكسب والخسارة المتوقعة.
لنفترض مثلاً أن لديك 100 ريال وترغب في مراهنة أحدهم على الوجه الذي ستقع عليه العملة المعدنية. إذا حصلت على "الصورة" تربح ريالين عن كل ريال تراهن به، وإذا وقعت العملة على الجهة المقابلة "الكتابة" تخسر ريال عن كل ريال من المال الذي تراهن به.
وبما أن احتمال أن تقع العملة على أي من الجهتين هو 50% لكل منهما، تصبح النتيجة الإجمالية المتوقعة أو (الحافة) كالتالي: (50% x 2 ريال) + (50% x (- واحد ريال)) = 0.5 ريال. أما (الاحتمالات) فهي أكبر المكاسب المتوقعة، والتي تساوي في هذه الحالة ريالين.
لتطبيق معادلة كيلي سنقوم بقسمة الحافة على الاحتمالات على النحو التالي = 0.5 ÷ 2 = 25%. هذا معناه أنه في ضوء الاحتمالات السابقة يجدر بك أن تدخل بـ25% فقط من رأس مالك في هذ الرهان. هكذا يعمل معيار كيلي.
الآن وقد فهمنا الميكانيكا الأساسية لمعيار "كيلي"، سنحاول في الفقرات التالية توضيح كيفية تطبيق هذه الصيغة في مجال الاستثمار وتحديداً في إدارة المحافظ المالية.
إهدار رأس المال بين القبائل
في عام 2005 قال "تشارلي مونجر" نائب ورفيق درب "وارن بافيت": "يميل كبار المستثمرين على غرار شركة "بيركشاير هاثاواي" إلى أن يكونوا أقل تنويعاً من غيرهم في استثماراتهم. لقد تسبب الأكاديميون في أضرار فادحة للمستثمرين الأذكياء من خلال تمجيدهم لفكرة التنويع."
جاء ذلك في إطار انتقاد "مونجر" للتنويع المبالغ فيه أو التنويع لمجرد التنويع، وهو الأسلوب الذي يشجع عليه الكثير من الأكاديميين بزعم أن تلك هي أفضل طريقة لتقليل المخاطر والحصول على نتائج جيدة بالمقارنة بآداء السوق بشكل عام، وهو ما يدفع الكثير من المستثمرين إلى بناء محفظة من 20 أو 30 سهماً أو أكثر لا يوجد فيها مركز ثقل واضح.
لكن في مقابل ذلك النهج الذي يشيد به معظم الأكاديميين ومديري صناديق الاستثمار المشتركة، توجد هناك مدرسة فكرية شهيرة بين مستثمري القيمة وهي مدرسة الاستثمار المُركز أو (Focus ) وهو النهج الذي يدعو إلى تخصيص أموال المحفظة في عدد قليل من الأسهم المختارة بعناية وفق نماذج معينة مثل معيار كيلي.