فتح عيونه يادكتور
سعد
سعد
تسمعني
سعد
قاوبني
حاسس ايه
انا الدكتور مصطفى
متغمضش
متعمضش عيونك
سعد
سعد
.
.
انا سعد أحدثكم على ما يبدو من مركز صحي القرية
فوق راسي يقف الدكتور مصطفى والممرضات هنيه وجادين
ابي يقول انني رجل بعقل طفل
وجميع إفراد القرية يسمونني الخواجة غريب الأطوار لأنني اول من لبس البنطلون في قريتنا .. كان يوما مختلف في القريه كانني رجل فضاء هبطت لتو على القريه .. خمس دقايق كانت فاصله بين خروجي من منزلنا وانا البس البنطلون والقميص وبين حاله الفوضى التي دعت كل من في القريه للخروج من منازلهم حتى نسائهم .. الكل ضحك ملء شدقيه في ذلك اليوم والكل همز ولمز وشتم .. أصبت بإحباط وانكسار من رده فعلهم وما زاد هذا الانكسار هو كف ابي الذي جعلني اترنح قليلا في مكاني امام الجميع ..
منذ ذلك الوقت اصبحت ارى صورتي المضحكه في عيون كل افراد القريه واسمع قهقهات عاليه في اصواتهم الصامته وأتواصل لافكار غبيه في عقلوهم عني .. بالرغم من ان الجميع لا يتحدث لي ولا ينظر لي ولا يلاحظ وجودي لاكنني كنت اشعر بهم في حضورهم وفي غيابهم ..
عندما كنت صغير كانت هوايتي تربية السمك والاعتناء به بالرغم من ان قريتنا تبعد عن البحر قرابه الف كيلو ولم اشهد هذا البحر ولا السمك الا مره واحده فقط عندما اصبحت شابا ..
لم اكن طفلا عاديا كبقيه الاطفال ولم املك صديق في حياتي كلها ..
في المدرسه كنت الطفل الذي لا يفهم شي ابدا .. حتى ان الجميع اصبح يدعوني بشديد الغباء .. اذكر انني كنت احفظ دروسي كثيرا وكثيرا ليس حبا للعلم ولا التعلم انما لكي لا يضحك الجميع حينما يسألني المدرس عن شي ولا استطيع ان أجيبه فيدعوني الجميع بالغبي بما فيهم المدرس نفسه .. ولم تكن تفلح همتي العاليه في الحفظ تلك لانني كنت انسى الاشياء بسرعه كبيره .. اذكر بانني ذهبت يوما الى المدرسه الساعه الثالثه فجرا .. خرجت مسرعا حينما استيقضت من المنزل نحو المدرسه بعجل كبير وذلك لانني تمكنت في مساء الأمس لاول مره من حل احد المسائل التي أمر بها المدرس ابو حمود كواجب مدرسي .. وكنت سعيد للغاية لاني قمت بحله لذلك ذهبت مسرعا نحو المدرسه الساعه الثالثه فجرا .. اذكر بانني نمت عند الباب المدرسه ولم افق الا على كف ابي وصوت الصلاه يعلو من مسجد القرية ..
تزوجت عن قصه حب عظيمه جدا .. فقط لانني ادرك بان زوجتي تحب السمك جننت بها حب وهياما .. فقد سمعتها تخبر الدكتور في مستوصف القرية بانها تحب السمك .. عندها شعرت بان الدنيا ولدتني من جديد لانني وجدت اخيرا من يقدر قيمه الأشياء مثلي .. بالرغم من انها ( زوجتني ) قد ضربتني قبل زيارتها للمستوصف بأسبوع واحد فقط في دكان القريه وتلك المره لم تكن الاولى مطلقا ولم تكن الاخيره بالطبع .. لكنه السمك من جعلني أهيم بها حب وغراما بالرغم من معارضه اهلي لي في بادئي الامر نظرا لاشتهارها بالعنف والقوه في القريه .. الا انهم رضخوا مرغمين وذلك لكي تكون علاج لوحدتي التي كنت اعاني منها .. وليتهم لم يفعلوا لانني أصبحت باحياط شديد بعد اسبوع واحد فقط على زواجنا حينما أخبرتني انها تحب اكل السمك ..
لدي طفلتين وهما حارساي ومخبراي السريان حينما اريد ان العب البلاستيشن .. هذا البلاسيشن الذي شاهدته لاول مره في احد بيوت أعمامي مع اطفالهم الصغار .. منذ ذلك الحين اقتنيت واحدا أصبح هاجسي الاكبر ومتنفسي الوحيد في هذه الحياه .. جهازان تم كسرهما من قبل زوجتي لانها أصبحت تتضايق من قضائي لكامل اليوم في العب به .. لذا قررت ان تقوم طفلتاي بمراقبه أمهما واشعاري في حال انها توجهت للمجلس الذي كنت العب به لاقوم سريعا باخفائه ..
زوجتي لم يكن يعجبها الامر وابي كذلك وافراد القريه الذين لاحظوا اختفائي لايام وليالي عديده .. فآخذو يهمهمون فيما بينهم بانني ربما اكونا اعاني من مرض نفسي .. مما دعاء ابي بالذهاب بي لطبيب نفسي في المدينه المجاورة .. تكررت زيارتنا لطبيب لايام عده دون فائدة لانه لا يرد ان يفهم بانني لا اعاني من أي شيء وانني إنسان املك جسما وعقل سليم .. حينما اصابني الملل من استجوابه المستفز أخبرته بانني لا أعاني من أي شي وانما المشكلة بان الجميع يخشون ان يقضي على البلاستيشن وكأنني سوف اموت بجرعة زائدة من اللاعب الالكترونية .. وأخبرته عن المضايقات والضرب المتكرر من زوجتي لي بخصوص هذا الامر ..
عندها اراد ان يلطف الامر عني قليلا فقال لي
" طيب شد حيلك وخلف ولد والعب انت وياه ساعتها محدش حيقولك أي حاقه "
منذ تلك اللحظه أنجبت طفلا في عقلي وفي كل أفكاري وفي كل زوايا حياتي ..وبداء يكبر ويكبر ويكبر .. ليس لانه ولد سيحمل اسمي وسوف يكون عونا لي ولامه وأخواته .. بل لانه سوف يكون المنقذ لي في قضيتي ألخسرانه من الجميع بخصوص البلاستيشن ..
لم تتغير الامور كثيرا ولم يتبدل وضع انقطاعي واختفائي عن القريه الذي لم يعجب الجميع بالطبع .. فاخذو يحثوني والدي على القيام بالعديد من الحلول ومن ضمنها ان يقوم والدي بتجربتي من جديد في رعي الغنم .. لانها هي السبيل الوحيد الذي سوف يقوم باخراجي واشغالي من الوضع النفسي السيء الذي كان يعتقد الجميع بانني اعيش فيه .. تردد ابي كثير في هذا الامر خصوصا بعد تجربتي السابقه التي كلفته كثيرا .. فقد كلفني بهذه المهمه في وقت سابق وحينما بدأت بها ما هي الا ثلاث ايام حتى شعر ابي بان عدد الاغنام بداء يتقلص بشكل مخيف .. فقد كان بعضها يعود معي وبعضها يعود متاخرا وبعضها لا يعود ابداء .. وقتها قرر ابي ان يرسل معي كلب حراسه لكي يقوم بحراسه الغنم معي .. في ذات اليوم الاول الذي ذهبنا سوينا انا والكلب والغنم .. عادوا جميعا الا انا .. لم اعد الا بعد ان حل الظلام بساعات كثيرة مما دعاء ابي ورجال القريه للبحث عني .. لازلت اذكر اول كف تلقيته من ابي امام الجميع تلك الليله .. كانت بداية لانكسارات عظيمه ومتتالية حلت على حياتي ..
بعد تردد من ابي في ان يستمع لمشورة رجال القريه في ان يجعلني اقوم برعي الغنم من جديد قرر ان يجازف وان يجعلني اعود لهذه المهمة بعد ان افرد قائمه طويلة من التوجيهات والتعليمات التي كان علي ان اقوم بها .. بالطبع وجد معارضه شديدة مني بخصوص هذا الأمر لانني كنت اعتقد بان هذه المهمة سوف تأخذني من عشقي البلاستيشن ولاكن بعد إلحاح عظيم من والدي ومن زوجتي وافقت على مضض .. وبدأت بممل كبير كبير جدا .. سارت الايام على هذه النحو قرابة الثلاثه اشهر .. اذهب صباحا بالغنم واعود بعد العصر للمنزل .. في هذه الإثناء كان يكبر في داخلي ( ولدي ) الذي اخبرني به الطبيب .. كان هو ملاذي الوحيد ومستشاري الخاص وصديقي الأصدق وحديثي الذي لا ينقطع ..
بعد قضاء الثلاثه اشهر أخبرتني زوجتي يوما بانها حامل .. لم أتمالك نفسي من الفرحه ولم تتسع الدنيا حينها لحلم جميل ولد بمخيلتي واصبح ادني ما يكون الى الواقع .. كان شيء عظيما يحدث في حياتي .. بالرغم بانني لم اشعر بهذا الشعور مع طفلتي الصغيرتين حينما أنجبتهما .. لكنه كان فوق ان أصفه او اشعر به .. وقد لاحظ والدي وبقيه اهلي هذه الفرحه ومقدار التغير الذي أحدثه هذه الامر في حياتي .. فقد أصبحت انسان مختلف مفعم بالحيوية والنشاط وبالذات في مهمتي في رعي الغنم .. وبداء يلاحظون انه بعد مضي أسابيع قليله على هذا الخبر هو حرصي على الشديد على اصطحاب كميه كبيره من الحلويات والبيتفورات التي كنت أحيان أخذها من المنزل واحيان أقوم بشرائها من محل الحلويات الذي بالقريه معي اثناء ذهابي لرعي الغنم .. وقد أصاب زوجتي ووالدي وبقيه اهلي الدهشة والاستغراب من هذا الامر .. وعن سبب اخذي لها بشكل يومي وبكميه كبيره .. أخبرتهم بانني أتقابل مع بعض الأصدقاء الذين يقومون بالرعي مثلي كل يوما .. فرحوا جميعا لذلك الخبر وضنوا فعلا بان حياتي تسير بالشكل السليم ..
بالفعل كنت أقابل أصدقائي الاغنام كل يوم واجعلهم يأكلون من الحلوى والحلويات وانا اقف على رؤوسهم أحدثهم كل يوم عن قصصي الخيالية مع ولدي احيانا .. وأحيانا عن نفسي وعن مهاراتي في اللعب وماذا فعلت أثناء اللعب وكيف فزت وكيف خططت وكيف انني أتقن هذا الأمر بشكل لا يصدق .. وكيف يفعل الامر ذاته ولدي الذي أسميته
ابراهيم .. والاغنام تستمع بانسجام عظيم لقصصي وحكايتي الرائعه ..
دام الامر كذلك قرابه الثلاث الاشهر على ذات الشكل وذات الأكل وذات الأحلام التي كنت اراها واقعا وانا أحدثهم بها كل يوم .. ويوم عن اخر كانت تكبير ويكبر معها ولدي (
ابراهيم ) في داخلي ..
بعد الثلاث اشهر أصاب الاغنام مرض غريب لم يعرف احد سببه .. توفي العديد منها .. عندها احس والدي بخطر ان يفقد البقية فاخذ بعضا منها وذهب به الي الطبيب البيطري ليقوم بالكشف عليها ليعرف سبب مرضها .. حينها اخبره الطبيب بانها كانت تأكل أكل به كميه كبيره من السكر لفترات طويلة .. كاد ان يقتلني ابي حينما عاد للمنزل لانه عرف بانني كنت اكذب عليهم وكنت أقدم ذلك الأكل للأغنام .. لولا تدخل أعمامي وأخوالي لكنت في إعداد ألموتي في ذلك الوقت .. كان يفقد ابي الاغنام يوما بعد اخر تموت امامه كل يوم وهو لا يستطيع ان يصنع شي الى ان قضي المرض على كل القطيع ومات جميعه ولم يعد والدي يملك أي غنم .. كان حزنه عظيم .. وكان ألمي عظيم لان حكاتي صمتت ولم يعد احد يستمع لها .. أصبحت بخيبة كبيره جدا .. لازمت الفراش لايام وايام بسبب المرض .. ولم اغادر البيت بعد ذلك اليوم ابدا أبدا .. بالرغم من ابي صفح عني وزارني مرات ومرات لكي يخبرني انه صفح عني وانه يردني ان اعود لحياتي الطبيعة .. لكنه لم يتمكن من ذلك .. لانني انهزمت في داخلي من كل أشيائي التي ربيتها في داخلي وكانت عظيمه .. لم استطع أكون لها عظيم ولا كبير .. شعرت بان كل شي في داخلي يموت يوما بعد اخر .. وما زاد شعوري ذلك ان ذلك ( الابراهيم ) الذي خلقه وكنت أربيه في داخلي قرابه الأشهر لم يكن سواء بنت سوف تضاف الى أخواتها بعد ايام ..
كانت حالتي مفزعه للجميع والجميع اخذ يتحدث عني في كل مكان وفي كل حديث وفي كل ظلام .. ابي واهلي وزوجتي حاولوا مرارا وتكرارا من إخراجي مما انا فيه ولم يستطيعوا .. أخذوني الى الطبيب النفسي ولم تفيدني تلك الادويه التي صرفها لي في علاج أي شيء .. مضى على وجودي بالمنزل أربعه شهور مختفيا عن أنظار العالم ومكتنزا في ذات سقيمة وغائبة عن الحياه ..
حينما ولدت زوجتي اخبروني بذلك في المنزل كان يوم خميس الساعة التاسعة مساء .. الجميع من أهلي أتاني للمنزل لكي ينقل الخبر المفرح لي طمعا منهم في ان يشاهدوا ابتسامتي التي غابتي عني منذ زمن بما فيهم والدي ووالدتي .. لأكنهم لم يحصلوا الا على مزيد من العبوس والمرارة والبكاء .. فقد كان حضورهم أشبه لحضور مواساة في وفاة ولدي
ابراهيم .. والمزيد من أحلامي ..
في صباح اليوم التالي أخبرت والدي بأنني اريد الذهاب معه لصلاه الجمعة .. وانني أريد ان أتحدث للجميع بعد الصلاه واخبرهم بانني أنجبت طفل .. فرح ابي كثير لذلك وكاد ان يجن من الفرح كذلك بقيه اهلي .. تسرب الخبر الى اطراف القريه سريعا .. وحضر الجميع لصلاه كعادتهم لاكن كان يملاهم ألشفقه والرثاء لحالي ..
اذكر عند دخولي المسجد اخذ الجميع ينظر الي ويرمقني بفرح وكأنني لم اكن ذلك الشخص الذي تجاهله واستحقره وازدراه واستهزاء به الجميع على مدى أعوام وأعوام ..
حينما انتهت الصلاة وقفت والجميع صامت لعلمهم بأنني سوف أتحدث .. وينتظرون حديثي بشغف وشوق كبير نوع من الشفقة على .. لازلت أتذكر وجه امام المسجد ابو احمد وهو يمد لي الميكرفون بانكسار شديد ..
اخذت الميكرفون وقلت ..
(
باركوا لي ..
رزقت ولله الحمد بمولده أسميتها " ابراهيم " )
كل الذي أتذكره بعد ذلك هو صوت الضحك الكبير الذي عم المكان .. ووجه ابي الأحمر الغاضب .. وكفه الذي جعل راسي يرتطم بالجدار ..
.