ترددت كثيرا قبل كتابة هذه القصة
فأرجو أن تأخذوا الفائدة منها ففيها والله
عجب عجاب لكل من يتأملها بحق..
قبل سنتين أصابتني كتمة خفيفة في العمل
فذهبت لمستوصف خاص واخذت اكسجين
ثم رجعت من ساعتها .. وفي اليوم التالي
عادت لي هذه الكتمة فرجعت واخذت اكسجين
ثم عدت للعمل .. وهكذا ثلاث ايام تعود
الكتمة واخذ اكسجين لكن الفائدة مؤقتة
ما ألبث ترجع الكتمة ..
كنت مدخن وكنت ادعو الله كثيرا ان يساعدني
في ترك التدخين واقلع عنه لكن اعود سريعا
وكان احد الاصدقاء يقول انت اخر شخص تترك
الدخان لما يرى مني من الشره وفتور العزيمة
في كل مرة ..
المهم نعود الى القصة
في اليوم الرابع زادت الكتمة علي حتى أصبحت
تلازمني حتى بعد اخذ الأكسجين فبدأ الخوف
والقلق يسيطر علي وأن هناك أمر خطير لأن
الكتمة مستمرة ولا ترحل الا بوقت النوم وعند
الاستيقاظ وبعض الاوقات خلال اليوم ..
صرت استأذن يوميا للمستوصف يكتب لي
مضادات وعلاجات للصدر ولا فائدة والاكسجين
مفعوله مؤقت ..
حتى بدأت اشرب العسل مع الشاهي فيزول
الأمر خفيفا فأستغل تلك اللحظات بالتدخين
والله شي مؤسف احتقرت نفسي كثيرا
لما انتبهت لنفسي اخرج من المستوصف
واول ماافكر فيه بعد ان هدأت نفسي هي
السيجارة !!
فاستغفرت وعاهدت الله على ترك التدخين
وكانت الايام الاولى عصيبة على شخص فاتر
العزيمة مثلي لكن الله ساعدني بالكتمة
التي تأتي من وقت لآخر فتمنع عني شهوة
التدخين حتى وان كنت ارغب فصدري لا يرغب
فاستمريت أسبوع كامل وكان اعظم انجاز
في حياتي .. سافرت مكة واخذت عمرة من اجل
ان ادعو الله عند الكعبة أن لا أعود للتدخين
ابدا وأن يشفيني مما اصابني .. وكانت قصص
المقلعين تزيد من عزيمتي ومنهم اخونا الكريم
ابو جلال حطاب كنت الوم نفسي الضعيفة مع
كل قصة اقرأها واقول كيف لا تملك العزيمة !!
والله لو تعلمون الخبر من أوله ومبدأه
لتعجبتم كل العجب فإن ربي سميع مجيب
وله الحكمة في مقاديره مع النفوس الضعيفة
كنفسي التي بين جنبي ..
ما أصابني لم تكن مشكلة صدرية ولا خلافه
بل مشكلة في المعدة ومرض يخاف منه الناس
بينما أنا أنظر له بعين اخرى ..
انه القولون
لقد كانت الكتمة غازات القولون تصعد من المعدة
الى القفص الصدري بعد ان يلتهب القولون
فتأتي الكتمة لأن الغازات اختلطت مع الاكسجين
ويكون حينها اخر شي يفكر فيه المصاب به حرفيا
هو التدخين
كان الطعام الذي آكله بدون أدنى انتباه للأمر
هو سبب التهاب القولون المستمر معي
وكانت ايام عصيبة بحق .. كتمة مستمرة
وضيق في الصدر .. تخيل ان معك حساسية
من البهارات ومع هذا تأكلها يوميا وتمرض
وانت لا تعلم عنها شيئا !!
اذكر بعد شهر من الكتمة المستمرة
تأتي وتذهب نزلت موضوع هنا في الساحات
اسأل عن السبب واستفسر فشخصني
الأعضاء الكرام بما لم يشخصني به الطبيب
الحاذق ..والذي ملأ بطني بأنواع المضادات
الحيوية للأمراض الصدرية !!
قال لي أحد الأعضاء ان الذي معي قولون
وطلب مني ترك منتجات الألبان والأجبان
فتركتها كتجربة وسبحان الله بدأ التحسن
من اليوم التالي حتى اختفت الكتمة
تدريجيا ثم اختفت تماما ..
نعود الى السابق قبل اصابتي بالقولون
كنت ادعو الله كثيرا ان اترك الدخان
وجربت كل طريقة حتى شامبكس لم ينفع معي
فأنا من الشخصيات الحساسة جدا
وهذه الشخصيات لديها قابلية سريعة للادمان
على اي شي ولا اقولها تبريرا لنفسي بل هي
والله الحقيقة .. هذه الشخصية تألف وتدمن
سريعا وتكره التغيير وتبعاته .. ومهما عارضني
الاخرون وتشدقوا بأنها عزيمة رجال فلا والله
لا يعلمون شيئا وأن العزائم تتفاوت
لا باختلاف الهمة والرغبة بل باختلاف مبدأها
وهو الجسد .. وربنا الذي خلقنا أعلم باختلافاتنا
وشخصياتنا وما ينفع لنا .. مثل شهوة الطعام
بعضكم يقدر على حزم أمره واكتفاءه بالقليل
وبعضكم لا يقدر على التحكم في نفسه وربما
يكون النوع الثاني أقوى جلدا من الأول في
أمور كثيرة .. لكن كما قلت سابقا أنها أمور
وطبائع معقدة خلقها الله في النفوس ..
ووالله كلما تذكرت وتفكرت فيما حصل معي
عرفت أن مرض القولون السبيل الوحيد لأن اترك
التدخين بمثل الذي حدث معي ..فلا تنفع معي
المغريات فقد جربتها مع نفسي ولا الزجر
فقد نظرت وقابلت ولم انزجر .. ولا المعاهدة
فقد عاهدت ونكصت ..فأنا في نفسي المعقدة
جمل متوحش .. مفلوت وسريع الملل
فكان لابد من لجام وخطام .. فالحمد الله
ربي ما أحسن تدبيره بي .. وكنت قد دعوته
وأنا حاج ملبي في يوم عرفة أكثر ما دعوت :
يارب ان قلبي بين اصبعين من اصابعك
فكرهني في التدخين واعصمني منه ..
فلم يمض على ذلك اليوم عام ونصف حتى
تركته بفضل الله ورحمته وهو والله اعظم
حدث في حياتي .. واقسم بالله العظيم
ان من لا يدخن لا يعلم عن حال المدخن شيئا
تظنه في سفه واستكبار وهو والله بلاء عظيم
اوله فضول وأوسطه متعة واخرة شهوة
قد انعقدت وتجذرت فمن وصل للحالة الاخيرة
فلا يحل عقدتها له الا فضل الله ورحمته به ..
وانا اليوم اكثر من يرحم المدخن لانني
اعلم مدى الغفلة التي هو فيها
فأرجوك اخي المدخن ثم ارجوك
أن توكل امرك لله وتلجأ له قبل كل شيء
فهو مفتاح كل أمر .. وكل شيء بأمره ..
وهذا مشهد اخير اختم به وهو رسالة لك:
في الأسبوع الاول من الكتمة المستمرة
في إحدى الأيام أفطرت ثم شعرت بكتمة
شديدة (وكما قلت لا أعلم عن القولون الا اسمه)
ولم افكر فيه اطلاقا فالمشكلة عندي صدرية..
ذهبت للمستشفى سريعا وانا اشعر بحرارة
في صدري وكان افطاري مليئا بالزيوت التي
الهبت القولون .. ووضعوا لي الاكسجين ولم
يفيدني بشيء بل بدأت اشعر بحرارة شديدة
في الصدر كأن جمرة اشتعلت فيه وهو في
الحقيقة التقاء الاكسجين مع غازات القولون
كنت اتقلب على السرير من ضيق التنفس
وليس عندي أحد ووالله العظيم اسمع صوت
رجل يبكي على أخيه الذي توفي للتو
وابناءه يصبرونه على الموت ويذكرونه بالله
تخيل حالتي النفسية وانا استدرك ان ملك
الموت قد مر للتو قريبا مني والتقط روح
ذلك الرجل .. حتى شعرت ان اجلي قريب
وانا في شبابي .. اتقلب على السرير واقول
يارب يارب .. وكان خوفي ليس على الدنيا
ولا على اهلي بل على العالم الغريب الذي
انا مقدم عليه لا محالة فقد امتلأ عقلي
بفكرة ان مرضا خطيرا اصابني بالصدر
والقلب لاني كنت اشعر بالنغزات ايضا ..
وانني خسرت نفسي وميت قريبا ..
والله لا انسى الشعور ما حييت وانا
اتقلب يمنه ويسرة واحفر السرير بقدمي
ثم ارمي قناع الاكسجين واعود البسه
اشعر بجمرة ساخنة في منتصف الصدر
- وهي نقطة تصادم غاز الاكسجين
مع غاز القولون - وبالكاد اتنفس بصعوبة
حتى الهمني الله بمغص بالبطن خرجت مهرولا
لدورة المياه وتقيأت فزال عني كثيير مما اجد
ورجعت للكتمة الخفيفة تلك فرضيت بها
وخرجت من المستشفى سريعا لا يعلمون عني
شيئا فقد كنت في حالة نفسية سيئة جدا
مكتئب وخائف وقد مررت من عند الرجل
الكبير الذي يبكي على اخوه وهو في حالة
نفسية سيئة ايضا وجالس على كرسي معاقين
رجعت للمنزل واستسلمت لنوم عميق افتقدته
وكانت تلك الحادثة نقطة تحول في تصوري
للحياة والموت.. ومن لطف الله بي ألهمني
ألا أخبر أمي بما يحصل معي رحمة بها وكنت
اخبئ عنها حتى لا تفجع لاني شبه متأكد
ان شيئا خطيرا اصابني ولم افكر ولا 1%
بما يسمى القولون فلم اكن اعرف عنه غير اسمه
وربي يعلم كل شيء ولا يريد ان افجع امي
باوهامي الكاذبة فقذف في قلبي كتمان الوهم..
زبدة الموضوع
تأملوا معي الآية التالية أظن بعضكم
سيقرأها كأنها المرة الأولى ..
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
( وعسى ان تكرهوا شيئا
ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )
فانظر الى مصيبتك اخي الكريم ايا كانت ..
فربما رد الله بها عنك مصائب أعظم
وتفكر من حولك فإن التفكر تسبيح لله
ولو لم اتفكر واحلل الامور واربطها ببعض
لما علمت تفسيرا لما حدث معي ..
فتأمل وتفكر وقل اللهم ان في تدبيرك لي
خير من تدبيري لنفسي ..
اعتذر لكم عن الإطالة
نعم .. الحمد لله على مرض القولون....
واسأل الله أن يشفيني منه وكل مسلم