لندن (بريطانيا)
زعمت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، أن أقدم مخطوطة للقرآن الكريم في العالم -التي عُثر عليها في برمنغهام الشهر الماضي- قد تكون كتبت قبل ظهور النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنها ربما تكون تمت إعادة كتابتها في بداية الإسلام.
وهي المزاعم التي فندها وأثبت زيفها علماء مسلمون في نفس التقرير، لكن الصحيفة أبرزت، أقاويل هؤلاء الخبراء التي ما زالت في طور الاحتمالات، وفقًا لتصريحاتهم، مدعية أن هذا الاكتشاف ينال من بعض الثوابت في الإسلام.
وقالت الصحيفة، إن الصفحات التي عُثر عليها، يعتقد أنها كتبت في فترة سابقة، تعود لما يقدر بـ1448 إلى 1371 سنة، ضمن صفحات قرآن أخرى، تعود لأواخر القرن السابع في مكتبة جامعة برمنغهام.
وأضافت أن هذه الصفحات مكتوبة بحبر في شكل مبكر من الكتابة العربية، على ورق مصنوع من جلد الحيوان، وصفحات تحتوي على أجزاء من سور القرآن، قد تكون كُتبت من أحد صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- لافتة إلى أن خبراء في جامعة إكسفورد، قالوا إن المخطوطة من المرجح أنها أقدم نسخة للقرآن الكريم في العالم كله.
ونقلت الصحيفة -في تقرير لها، الإثنين (31 أغسطس 2015)، عن خبراء في جامعة أكسفورد قولهم-: "يعتقد أن هذه النسخة تم كتابتها في الفترة ما بين عام 568 بعد الميلاد و645 بعد الميلاد، في حين أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ولد في عام 570 بعد الميلاد وعاش حتى عام 632 بعد الميلاد.
وادعى المؤرخ توم هولاند "أنه يمكن التحقق من وقت ظهور القرآن على وجه اليقين من هذه المخطوطة، ومعرفة تأثير ذلك على النبي محمد وأتباعه"، في حين زعمت كيث سموال -من جامعة أكسفورد- "أن معرفة تاريخ كتابة هذه المخطوطة يكشف مزيدًا حول خلفية كتابة القرآن قبل ظهور محمد، واستخدام أصحابه للنص الذي كان موجودًا بالفعل، وأعادوا كتابته وتشكيله، بدلًا من تلقي محمد الوحي من السماء".
ولكن هذه المزاعم قوبلت بردّ قوي من قبل علماء مسلمين، أوردوا 3 قرائن هامّة للردّ على هذه المزاعم، ومن هؤلاء العلماء؛ مصطفى شاه -من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن- الذي قال للصحيفة: "إن هذه المخطوطة تعزز الحسابات التقليدية لأصول القرآن".
وأضاف أنه "من المعروف أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أسس الإسلام في وقت ما بعد 610 بعد الميلاد، وأسس المجتمع الإسلامي الأول في المدينة المنورة في 622 بعد الميلاد، وهؤلاء الخبراء يقولون إن هذه المخطوطة كتبت في الفترة ما بين 568 بعد الميلاد و645، دون تحديد العام على وجه اليقين حتى الآن".
وأوضح أنه في الفترة من 610 بعد الميلاد، وحتى 622 بعد الميلاد، كان القرآن يُحفظ ويتلى شفويًّا، إلى أن أمر الخليفة أبوبكر، أول خليفة بعد وفاة الني محمد، بجمع القرآن في كتاب واحد، وتابع: "لم يكتمل الشكل النهائي للقرآن الموثوق حتى 650 بعد الميلاد خلال فترة الخليفة الثالث عثمان بن عفان".
أما نادر دينشاو -الذي يدرس العلاقات بين الأديان في جامعة برمنجهام- فقد وصف الاكتشاف بالمذهل، وقال إنه في البداية كُتب القرآن على بعض الأحجار، وجلد الحيوان وسعف النخيل، وكان يحفظ في الذاكرة.
وأضاف دينشاو: "إن الاختبارات التي أجريت في برمنغهام على مخطوطة كتبت على جلد حيوان، وجدت أن هذا الحيوان كان على قيد الحياة خلال فترة حياة النبي محمد أو بعد وفاته بوقت قصير".
وتعود فرية انتحال القرآن، إلى وقت نزول الوحي بالقرآن الكريم، حيث أشار القرآن –ذاته- إلى تلك المحاولات التي ترمي للتشكيك في رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصرف الناس عن دعوته، وهو ما ذكره الله عن أصحاب تلك المحاولات في معرض تفنيد افتراءاتهم، في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)}. فأجابهم بأنه ليس في حاجة لسماع الأساطير التي تروى عن الأولين، لأن الذي أنزله يعلم الغيب كله: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)} [سورة الفرقان].
وكذلك في قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)}، ووصفهم بأنهم يفترون الكذب ولن يهديهم الله {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)}.
وبين حين وآخر، تراود هذه الفكرة الضحلة بعضهم على مرّ الزمان، ولكن لا يبارح القرآن مكانته العالية، بل يزداد رونقًا وبهاءً، ويظهر جليًّا –أمامه- سقوط أصحاب هذه الدعاوى الواهنة أكثر من بيت العنكبوت.
ولقد فات هؤلاء أن خطاب القرآن موجه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا تخلو من ذلك صفحة ولا سورة ولا سياق، هو في حدّ ذاته خير دليل –أصالة- على أن النبي هو صاحب الرسالة، وأنها ليست افتراءً وليست من تأليفه أو تأليف من سبقه، بما يحويه من لوم وتوجيه ومؤازرة ونصرة وإخبار بالغيب وتشريع.
غير أن هناك بعض الأمور التي تتشابه على هؤلاء ولو كانت نواياهم طيبة لبان لهم بقليل من التدبر في القرآن وسؤال أهل العلم، أنها ليست شبهة تدفعهم للقول بذلك {... فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)} [البقرة].