![]() |
أما الأخوَّة والمصافاة : فذاك شيء نُُسِخ كان لنا أصدقاء ، وإخوان ، أعتد بهم ، فرأيت منهم من الجفاء ، وترك شروط الصداقة ، والأخوَّة : عجائب ، فأخذت أعتب ثم انتبهت لنفسي ، فقلت : وما ينفع العتاب ، فإنهم إن صلحوا : فللعتاب ، لا للصفاء . فهممت بمقاطعتهم ، ثم تفكرتُ فرأيت الناس بي معارف ، وأصدقاء في الظاهر ، وإخوة مباطنين ، فقلت : لا تصلح مقاطعتهم . إنما ينبغي أن تنقلهم من " ديوان الأخوة " إلى " ديوان الصداقة الظاهرة " . فإن لم يصلحوا لها : نقلتَهم إلى " جملة المعارف " ، وعاملتهم معاملة المعارف ، ومن الغلط أن تعاتبهم . فقد قال يحيى بن معاذ : بئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له اذكرني في دعائك . وجمهور الناس اليوم معارف ، ويندر فيهم صديق في الظاهر ، فأما الأخوَّة والمصافاة : فذاك شيء نُسخ ، فلا يُطمع فيه . وما رأى الإنسان تصفو له أخوَّة من النسب ، ولا ولده ، ولا زوجته فدع الطمع في الصفا ، وخذ عن الكل جانباً ، وعاملهم معاملة الغرباء . وإياك أن تنخدع بمن يظهر لك الود ؛ فإنه مع الزمان يبين لك الحال فيما أظهره ، وربما أظهر لك ذلك لسبب يناله منك . وقد قال الفضيل بن عياض : إذا أردت أن تصادق صديقاً : فأغضبه ، فإن رأيته كما ينبغي : فصادقه . وهذا اليوم مخاطرة ؛ لأنك إذا أغضبت أحداً : صار عدواً في الحال . والسبب في نسخ حكم الصفا : أن السلف كان همتهم الآخرة وحدها ، فصفت نياتهم في الأخوة ، والمخالطة ، فكانت دِيناً لا دنيا . والآن : فقد استولى حب الدنيا على القلوب ، فإن رأيت متملقاً في باب الدين : فأختبره تَقِله . ***** أبن الجوزى رحمه الله ***** |
الساعة الآن 04:11 AM بتوقيت مسقط |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0 Designed & TranZ By
Almuhajir