في مشهد يتكرر كل يوم ,, جلس عند باب إحدى الدوائر الحكومية..
كان منظره بائسا يمسك بإحدى يدية محفظة نقود نسائية بها مبلغ بسيط ,,
كانت طريقة جلوسه وهيأته الخارجية يكسوها الحزن وبدا وكأنه ينتظر شيئاً..
كلما اشتد صوت سيارة مارة بجانب الباب كان يخرج لينظر ثم يعود وينزوي على نفسه في الممر ليعود إلى نفس حالته السابقة ..
غير أنه في المرة الأخيرة عندما خرج لينظر كعادته ,, وجد طفلة صغيرة تلهو في وسط الشارع وعندما نظر خلفها وجد والدتها وهي تتكلم بالهاتف غير مكترثة لوضع ابنتها ..
لم يبالي كثيرا بالمشهد خصوصا أنه يرى في عالمه الكثير من هذه العينات المهملة بالرغم من انزعاجه ولكنه فضل تجاهل الأمر.. وعندما عاد هذه المرة لاحظ شيئا غريبا ..
محفظة النقود التي كان يحملها بيده فُقِدَت دون أن يدرك ذلك ..
تملكه شعور بالضياع وأخذ يرتجف يبحث حوله بشكل جنوني ثم حدَّث نفسه أنها ربما سقطت منه أثناء رؤيته للطفلة ..
خرج إلى الشارع فوجد الفتاة وهي متوجهة نحوه وتحمل بيدها محفظة النقود أخذها من يدها بقوة ثم قام يعد النقود وعندما اكتشف أن المحفظة تخلو من فئة الخمس مئة ريال كانت الفتاة قد أدارت ظهرها متجهة نحو والدتها التي كانت لا تزال تتحدث عبر الهاتف ,,
أسرع بلحاقها وأمسك بها بقوة وانتزع منها جزءا المبلغ وكان ورقة واحدة فقط أخذ يتفحص
المكان من حوله فوجد بقية المبلغ ملقى على الأرض أسرع والتقط الأوراق من على الأرض
وكان بعضها يبدو في حالة جيدة .. حتى رأى بقية الأوراق ممزقة.. بعضها كان بالإمكان إصلاحه
,, والبعض الآخر كان ممزقا إلى قطع صغيرة لا يمكن بأي حال من الأحوال إصلاحها ,, ومع
ذلك قام بتجميع كل الأجزاء الصغيرة والصغيرة جداً وكان حريصا على أن لا يضيع منها شيئا
مهما كان تافهاً.... بعدما وضع ما يمكن إصلاحه في المحفظة .. هيأ كلتا كفية لتحتوي ما تبقى من القطع الممزقة ,, رجع إلى مكانه في ذلك الممر ثم دخل في حالة عميقة من التفكير .. ثم أخذ ينظر
إلى تلك الأوراق النقدية الممزقة إلى قطع صغيرة ويبكي بحرقة حتى علا صوته وكأنه طفل
صغير ... صار كل من يمر بجانب ذلك الممر ينظر إليه نظرة حزن واستفهام .. فاقترب منه فتى
لم يتجاوز الحادية عشر من عمره .. وقال له محاولا أن يهدئ من حالته بعدما رأى تلك النقود
ممزقة "لابأس عليك المال يذهب ويعود من جديد" ..
فرد عليه بعدما حاول أن يمتلك نفسه من البكاء بصوت غلب عليه اليأس.."
وكأن نقودها أيضاً لاتريد أن تبقى معي ...وكأنها تريد أن تلقى نفس مصير صاحبتها "
حاول الطفل استيعاب ما يستطع أن يستوعبه ونظرات الاستغراب تعلو محياه.. فأكمل الرجل " في نفس المكان كانت بداخل السيارة تنتظرني .. لم أكن أتصور أن ترحل بهذه السرعة .. أتت سيارة مسرعة فاصطدمت بسيارتي ,,, ومزقت جسدها إلى قطع ,,, كما حدث مع هذه النقود تماما " ...
ولكنني على يقين بأن الله عنده أفضل الهدايا ,,, وقادر على التعويض بالأجمل ,,, فبادره الطفل محاولا أن يعزز ذلك التفاؤل ..." نعم يا عم .. إني أفهمك.. سيعوضك الله بمن هي خير منها ويعطيك هدية أجمل " ...
نظر إليه الرجل وقال ,, "لم أكن أقصد ذلك ... كنت أقصد .. أن قادر الله على أن يعوضها بما هو خير مني ومن دنياها التي رحلت وتركتها ... بجنة أجمل فلا أجمل من حبي لها إلا الجنة" ...