زمان اول قبل 15 عام كنتُ أعيش في القرية المعزولة (( المجمعه )) يحد بيتنا القديم من جهة الشرق المقبرة كانت ذكريات الأموات هنا قبر جدي ألأكبر ((نشمي)) السادس رحمه الله و هناك قبر جدتي (( فليفله )) .و خلف تلك الشجرة قبر جارتنا ((نوره )) ام عييين هذي تسدح اي واحد يمر قدامها و من جهة الجنوب شبك جارنا كنت أتسلق الجدار الفاصل اظهر و أبدأ ب رمي الأحجار على رؤوس النياق الضعيفات التي لا تقدر على الصراخ و لا الشكوى ...كنت أشعر بالقوة حيث لا مصادر أخرى لها ... و من جهة الغرب مدرستي و التي يتساوى سورها و الرمال ماكنت محتاج للتوجه للباب ... فقط أرقا فوق الطعس الذهبي الجميل لأجد نفسي على الجدار ثم اطمر على الخزان و أجد نفسي في السجن الذي أذهب إليه يومياً بقدمي... فأجد أدوات التعذيب الأسواط و خراطيم الماء و الحجارة الصغيرة لقذفها على الطالب النائم آخر الصف ... هذه كانت مدرستنا الجميله و في جهة الشمال ... الشمس و رواق رملي يفصلنا عن جدار منزل جارتنا التي تجيد التنصت ...هذا الجدار الذي يعتبر هاتف المواعيد بين جارتنا و أمي ((حصه )) كانت وحده منهن ترمي على الدريشه حجراً فا تطلع رأسها الاشهب للتحية و بعض الأحاديث ثم التواعد لزيارة بعضهن البعض أو الجارات الأخريات ..
طبعاً ماكان فيه هاتف مزعج يرن لتجد قريب أو قريبة يسألك : كيف حالك عشرون مرة و في كل مرة تجاوب ب إجابة مختلفة : بخير الله يسلمك ... الحمدلله ...تمام ...ماشي الحال ... و أمي تسلم عليك ... ثم تعيد الإجابات ذاتها لتتساوى و العشرون سؤال ..!
هذا الهاتف الذي عندما أراه الآن أمشي بجوار الحائط و أتعثر و أحاول الفرار منه قبل أن يرن فأكون الأقرب إليه فأضطر للرد و في بعض الأحوال أقوم برفع السماعة و إرخاءها في لمح البصر لأتخلص من سلسلة " كيف الحال " الشهيرة ..!
كانت القرية البسيطة الهادئة الي بدون وسائل الاتصال بالعالم الخارجي آن ذاك حتى خمسين كيلومتراً جهة الجنوب كان فيه محطات البنزين و البقالات الكبيرة و الأسواق البسيطة و مجلة ماجد الي اروح عشانها هذي المسافة كل أربعاء للحصول عليها ... كنت أقرأها في جلسة واحدة و أشاهد صور اصدقائي الصغار الذين يسكنون في المدن ... و عندهم صناديق بريد و فاكس يتواصلون عبرهما ل لعالم ب سهولة و يسر ..!
امتلأ صندوق ورقي كبير بالأعداد المتتابعة من المجلة التي أشتريها بـ أربعة ريالات أدخرها من مصروفي كل إسبوع ...و كل يوم أربعاء أقطع خمسين كيلومتراً من أجلها ... أقطع لأجلها الصحراء و الطعوس و أتجاوز الكلاب الشريدة المغلوثه و الحمير و قطعان الماشية حتى غضبت ذات يوم ... و قررت تمزيق صفحة أصدقاء المجلة و هواة التعارف ...ف الجميع يتواصلون مع العالم سواي ... لا ذنب لي أن خلقت في قرية رملية منفية ..!
و في هذه الأثناء خطرت لي فكرة !
ف بعد أن تحولت المجلة أشلاء أمامي بقيت منها الصفحات الوردية المختصة ب كتابة المشاركات و إرسالها للمجلة ... كتبت اسمي و ألصقت صورتي الكبيرة التي غطت على جزء كبير من الخانات ... فليس لدي صورة بمقاس 4*6 ...و اختلقت هوايات لم يسبق لي أن مارستها فكتبت " السفر و لعب الغولف " و اخترعت نكتة سخيفة لكتابتها في خانة النكت ... فلم يسبق لي أن سمعت نكتة .. ووضعت مشكلة من رأسي فلم يسبق لي أن عاصرت مشكلة و ذلك ل وضعها في الصفحة التي تحمل عنوان " أنا عندي مشكلة ".. وكتبت لهم معلومة نقلتها من عدد سابق من المجلة فلا يوجد لدي كتب لأضع منها المعلومات غير كتب المدرسة ثمّ وضعتها في مغلف كتبت عليه عنوانهم ... و كان هناك خانة طابع البريد الذي لم أره في حياتي ..!
ثمّ قررت مواجهة امي حصه ..!
سألت أمي عن صندوق بريد أرسل منه رسالتي الهامة للمجلة ف ضحكت و ضحكت عمتي ...و ضحكن صديقاتها.. و عقب أن أنهوا حفلة الضحك التي كنت أقف بها مشاهداً أخبرتني أمي أن في البقالة القريبة صندوق بريد يرسل منه البنغال و الهنود رسائلهم لأهلهم و طلبت مني أن أعطيها الرسالة لتأخذها أليهم ..!
جلبت رسالتي و كلي أمل ...س أرى صورتي في المجلة س أخرج من قريتي المعزولة و لو بصورة... تكفيني أن تخرج صورتي بدلاً مني
س تخرج مشاركاتي و س أرى اسمي " طلال " و س يراسلني أصدقائي عبر صفحة التعارف وس أذهب للبقالة كلّ مرة و س يراني البنغالي ل يخبرني أن هناك الكثير من الرسائل تنتظرني و أنا أنظر أليه ب شموخ ف ليس لديه سوى أهله في بنغلاديش و لا يعرفه أحد ..!
و مضت سنتان , و أنا أمخر عباب العشرون كيلومتراً ذهاباً و أياباً ... أفتش عن صورتي و مشاركاتي .. أذهب للبقالة و أسأل أن وصلتني رسائل أم لا ..! لكن لا مجيب ..!
ثم جاء ذلك اليوم .. الذي دخلت به ل مخزن المنزل لأبحث عن شيء ... عادة ما أدخل المنزل و أبحث عن أي شيء مفيد أو قديم .. فهذا نوع من التسلية لدي أن أدفن رأسي في المخزن الأثري ... و أبحث ف أنا قروي بسيط لا ملاهي و لا سبيس تون و لا ام بي سي و لا نوادي رياضية و لا شيء ... فقط أتأمل الجهات الأربع المحيطة بمنزلنا و أقرر أن أمضي إلى ما يطمئن إليه قلبي ..!
نبشت و نبشت : ساعة قديمة ..جهاز تسجيل قديم ..كتب قديمة ..سجادة مصنوعة من الخوص أقلام مغبرة حتى وجدت بين الكتبالبعارصه لغير الناطقين باللهجه النجديه هي كائنات من الزواحف تكثر عند لمبات النجف ايام الصيف وتتواجد بكثره في الزلفي وام غور وصحراء سيبيريا ...
رسالة تغير لونها و مزق الزمن أطرافها ...عقب قراءة العنوان المدون كانت رسالتي التي كنت أنتظر نشرها سنتين كاملتين و أشهر ..!
واجهت امي حصه ... و اعترفت بضحكة أخرى ورضيت انا ب الواقع المرير وصببت جام غضبي على البعارصه وأغنام جارنا المسكين ...
اليوم ب أمكاني أن اضع صورتي وأرسل رسائل الحب والسلام عبر هذا الجهاز وأنا متكيء أدخن السيجار وأشرب الموكا....
شكرا
البعارصه لغير الناطقين باللهجه النجديه هي كائنات من الزواحف تكثر عند لمبات النجف ايام الصيف وتتواجد بكثره في المجمعه وام غور وصحراء سيبيريا ...