/3/
" بــــــــعد مرور ثلاث ايام "
الرياض
جامعة الملك سعود
8:45 صباحاً
أوقف - سيارته - في المواقف المخصصة للسيارات في الجامعة .. وترجل منها بشكل سريع وهو يتحدث في هاتفه المحمول ..
- فويرس قلت لك انا جاي الحين ..... طيـــب دقايق واكون عندك .... انتظرني ....
اغلق الهاتف قبل سماع جواب الطرف الاخر على كلامه .. وهو يحاول ان يسرع في خطواته قدر الامكان .. فـ - فارس – بانتظاره منذ فترة ليست بقصيرة .. ذلك لانهم كانوا متفقين على التلاقي في تمام الساعة الثامنة .. لمحاولة فهم احدى المسائل .. التي من المفترض ان يخوضوا اختباراً فيها هذا اليوم الساعة العاشرة .. ولكنه .. كالعادة .. بقى مستيقظاً طوال الليل لمشاهدة احد الافلام .. مما ادى الى استيقاظه متأخراً صباح اليوم .. اتسعت عيناه وهو يرى اولئك الحثالة .. يتبخترون على مقربة منه .. ركض بسرعة ودخل الى – الحمامات - .. واختبأ في احدى غرف دورات المياه الداخلية .. انه يتجنبهم منذ قرابة الاسبوعين .. ليس خوفاً منهم .. ولكن خوفاً من فقدانه لرشده برفقتهم .. انتظر عدة دقائق .. وهو يقدر المدة التي سيستغرقونها حتى يعبروا هذا المكان .. ليخرج بعد ذهابهم .. ارتفع صوت رنين هاتفه .. بأحدى الاغاني الاجنبية الصاخبة .. ولكنه ضغط على الزر الاحمر بسرعة .. وهو يتوعد فارس ..
فتح الباب بهدوء .. واخرج رأسه لينظر يميناً ويساراً .. المكان خالي .. وبإمكانه الخروج بأمان .. خرج وهو يسير نحو الباب الرئيسي لدورات المياه .. ولكن وقبل ان يصل .. أُغلق الباب .. وخرج من خلفه احد اولئك الاوغاد .. ازدرد ريقه ورجع خطوتين الى الخلف .. ليصطدم بآخر .. التفت وهو يرى الاثنان الاخرآن يقفان خلفه ..
- ايــــــــش فيك خلود ؟ .. ليه خـــايف ؟ ..
ابتسم خالد ابتسامة مصطنعة .. : وليه اخاف ؟ .. اخباركم شباب ؟.. من زمان عنكم ..
تقدم الشاب الذي كان يقف خلف الباب .. وهو يبتسم .. : حنا بخير .. بدون اللي سويته طبعاً ..
قال خالد باستغراب كاذب .. وفي نفس الوقت رن هاتفه القابع في يده اليمنى .. : وانا ايش سويت ؟ ..
ارتفعت ساق احدهم وركله بقوة .. مما أدى الى انحناءه الى الامام بوجع .. وسقوط الهاتف من يده .. : ما تدري ايش سويت يا ×××× ؟ ..
لم يجيبه خالد .. بل بقي عاقداً حاجبيه .. بسبب شدة الالم .. وهاتفه توقف عن الرنين بعد ان تكسر الى قطع صغيرة ..
قال الاول .. : رد علينا .. ما تدري ايش سويت ؟ ..
اعتدل بوقفته .. لكن يده اليمنى ما زالت على صدره .. وهو يتنفس بصعوبة .. : سويت الشي الصحيح .. انا ما قدرت اتركه وهو بـــ ...
قاطعته قبضة ذلك الساكت منذ البداية .. حينما لكمه بقوة .. : الشـــــــــي الصــــــــحيح ؟ .. انا باعلمك الشي الصحيح وشلــون شكله ! ..
خالد .. وهو يضع يده اسفل انفه .. الذي بدأ بالنزيف .. : ايــه الشي الصحيح .. احمد ربك اني ما رحت وفضحتك عند الشرطة ..
لكمة اخرى من نفس الشخص .. افقدت * خالد * توازنه .. وسقط على الارض بعنف .. : تهددني يا خالد ؟ - ضحك بسخرية .. وهو يطبق اصابع يده اليمنى على شعر * خالد * ليجبره على الوقوف – انـــا اتهدد .. وخالد اللي يهددني ..؟
ابتسم صاحبيه .. وهما يتقدمان .. ليعيقا حركة * خالد * .. امسكاه من الجهتين .. اليمنى واليسرى .. وذلك الغاضب يقف امامه .. : تدري .. لو انه ما مات .. كنت دفنتــــك بمـــكـــــانـه .. احمـــــــد ربــــــك انه اخـــــذ روحــــه .. قبل لا آخـــذ روحـــــك ..
خالد .. والصدمة قد شلّت عقله .. حتى عن استيعاب الالم .. لم يفكر بشئ قبل الان .. كل ما كان يشغل تفكيره .. هو انه قام بعمل اللازم .. لم يفكر بما قد يحدث بعد ذلك .. قال بصوت مخنوق .. : مــــــــــات ؟..
قال الاخر بارتياح .. : ايـــــــــه مات .. – ثم قال بشئ من السخرية - .. خليك عاقل واهتم بأمورك الخاصة .. لا تدخل باشياء ما تعنيك .. طيب يا شاطر ؟ .. والا واللي خلقك .. بتلحقه باقرب وقت ..
خالد وعينيه قد بدأت بالالتماع .. فلم يستطيع تخيل ما حدث .. فعل ما بوسعه .. ولكن على ما يبدو .. لم يكن ما فعله كافياً .. لم يكن ذلك كـــافياً .. قال متسائلاً .. دون ان يعير ما قاله الاخر اي اهتمام .. : حنا قتلناه ؟ ..
ارتفعت ساق الشخص الواقف امامه .. وركله بين فخذيه بقوة .. الامر الذي دفع خالد الى السقوط على الارض وهو يتأوه بشدة .. : اااااااااه ..
قال منهياً الحديث وبلهجة أمر .. : كل اللي صار تنساه .. وهذا ما كان الا مجرد تهديد بسيط عشان ما تتدخل مرة ثانية فأمور ما تعنيك ..
خرجوا بهدوء .. كما دخلوا في البداية .. وبقي هو يصارع الالم لوحده .. في دورات المياه ..
******
الرياض
فيلآ سلمـــان المــاجد
10:25 صباحاً
تشعر وكأنما لو كانت عينيها قد أُغمست بمحلول حمضي ولفترة طويلة .. فاحمرارهما اصبح امراً غير طبيعي .. وحجمهما كذلك .. وهي الان غير قادرة على فتحهما لفترة لا تزيد عن عدة دقائق .. رفعت يديها وضغطت عليهن بقوة .. علّها تشعر بارتياح .. لكن وكما اعتادت طوال الثلاثة ايام الماضية .. لم يحدث شيئاً مريحاً لها .. بل تم خروج مزيداً من الدموع .. امتدت يدها اليسرى لعلبة المناديل الورقية .. اخذت منديلين ومسحت دموعها بعنف .. مما جعل وجهها يصبح اكثر احمراراً .. نظرت لأختيها النائمتين بجانبها على السرير المزدوج .. ثم نهضت ببرود متوجهة نحو باب هذه الغرفة التي تعتبر بعيدة جداً عن مستواهم .. ولكنها غيرت رأيها .. وجلست على الارض بجوار السرير .. في انتظار والدتها التي ذهبت لتناقش صاحب هذا القصر بأمر عودتهم الى منزلهم .. اغمضت عينيها باسترخاء في محاولة لأخماد الحريق المتأجج فيهما ..
مضت فترة طويلة نسبياً .. حتى سمعت صوت فتح الباب .. رفعت رأسها وهي ترى والدتها تدخل بهدوء .. وتغلق الباب خلفها .. وتتقدم لتجلس على السرير .. دون ان تنبس ببنت شفة .. قالت تلك الشابة بنفاذ صبر .. : ايش صار معك .. ؟
لم تجيب ابنتها .. لانها خجلة من مواجهتها .. فلقد خذلت فتياتها الثلاث .. في الماضي اعتمدت على زوجها .. وبعد رحيله اعتمدت على ابنها .. ولكن بعد رحيل الاخير .. لم تجد شخصاً بأمكانها الاعتماد عليه .. وهي انسانة ذات شخصية ضعيفة منذ صغرها .. لم تستطع مواجهة احد فيما سبق .. ولم تستطع مواجهة ذلك المتسلط اليوم ..
قالت بتعب .. : يماا واللي يسلمك قولي ايش صار معك ؟ ..
صوت ابنتها الهالك .. جعل عقلها يعيد ذكريات رحيل احبتها .. فشرعت بالبكاء المؤلم .. دون كلام .. تشعر ان حبالها الصوتية قد اصبحت متصلبة .. تحاول البحث عن صوتها لكن عبراتها تمنع ذلك ..
زحفت ببطئ .. وجلست بجانب قدمي والدتها .. ويديها تحيط بذراع تلك الباكية .. تعلم ان ما ستقوله بعيد كل البعد عن ما تشعر به .. لكنها اصبحت الكبرى بعد رحيل ذلك الحبيب .. ولا بد ان تتصرف بمثل هذه المواقف بشجاعة .. : لا تبكين يماا .. ما يجوز .. يكفي يالغلا .. الحزن ثلاث ايام .. ما يجوز تبكين ..
رفعت يدها اليمنى .. واخذت تمسح على شعر تلك الفتاة بمحبة بالغة .. وبكائها يزيد .. فهاجسها الان اصبح بخوفها من الموت .. ماذا سيحدث لهذه الفتاة واختيها بعد رحيلها عن الدنيا ؟ .. لم يعد هناك شخصاً سيمد لهن يد العون .. لا احــــد .. قالت بصوت متقطع .. وهادئ .. : حنـــ .. ـــــا .. بنـــضيـــــع .. بنضيع .. بعـــ .. بعـــد محمـــ ... ــــد ..
قالت بسرعة .. رغم صحة كلام والدتها .. : لا يماا .. انتي مؤمنة بقضاء الله وقدره .. ليه تقولين كذا .. ؟
قالت وصوتها ما زال كسيراً .. : مـــا في حد بيرحمنا .. يا نجـــ ... ــــود ..
نجود .. وفي فكرها سؤال واحد .. : ايش قال لك ؟ ..
حركت رأسها نفياً .. : ما يــ .. ما يرضـــ ... ـــى ..
وقفت بغضب .. وهي ترتدي عبائتها على عجل .. : ما هو على كيفه ..
قالت والدتها بنحول .. : نجــود لا تسوين مشكــ .. ـــلة ..
نجود .. ولسان قلبها يقول " شاهدي ماذا سأفعل يا أُمـــاه " .. : لا تخافين يماا .. بس بكلمه ..
ارتدت حجابها .. و - لثمتها - .. وخرجت من الغرفة بسرعة .. تحت انظار والدتها ..
رغم كبر المنزل .. الا انها استطاعت ايجاد مكان اجتماعهم بسهولة .. ربما ما سهل عليها الامر .. هو مكان الغرفة التي ناموا فيها طوال الثلاثة ايام الماضية .. فهي في الطابق الارضي .. وقفت امام باب غرفة معيشتهم .. وهي تحاول ان تقيم الوضع قبل بدئها في الحديث .. المكان ممتلئ باشخاص كثيرين .. لم تعرفهم في الماضي .. ولن تعرفهم اليوم .. لكن ذلك الوغد موجود .. استطاعت ان تميزه من العصا التي يحملها .. فهو يجلس مولياً اياها ظهره .. نظرت الى التلفاز المفتوح على احدى القنوات الرياضية .. هل هذه طريقة حزنه على ابن اخوه المتوفي ؟ .. وصوت ضحك احدى الفتيات الموجودات ضمن نطاق ذلك المكان جعل قلبها يرتعش بغضب .. لمــــــاذا هم غير مبالين هكذا ؟ .. انه ابنهم .. ومن لحمهم ودمهم .. هل تم نسيانه بعد ثلاثة ايام فقط ؟ .. عجيــــب امرهم ..
تقدمت ببرود فضيع رغم الحسرات المتدفقة في شرايينها .. استغربت سكوتهم فجأة .. هل يمثلون الحزن امامها ؟ .. ام انهم مستغربين وجودها بينهم ؟ .. لا تعلم .. وقفت بجانبه .. وهي تنظر الى جانب وجهه الايسر .. ثم قالت بنبرة قوية .. وصوت واضح .. : حنــا بنروح البيت اليوم ..
قال بهدوء .. وبدون ان يلقي عليها اي نظرة .. : قلت لأُمك جوابي .. روحي لها وهي بتفهمك ..
قالت مرة اخرى وبصوت اقوى .. : حنـــــا بنــروح بيتناا ..
اعتصر رأس العصى .. القابعة في يده اليسرى بقوة .. لدرجة اصبح فيها كف يده ابيض اللون .. وانقبضت عضلات فكه .. وهو يقول .. : ما خذت رايك في الموضوع .. روحــ ..
قاطعته باستهزاء تــام .. : وانا ما جيت اطلب منك الموافقة .. انا اعطيك خبر بس ..
وقف ببطئ .. مشى بجانبها .. وتعداها .. : لو ما كنتي بنت المرحوم .. كنت ربيتك من جديد ..
التفتت بغضب .. وقالت وهي تنظر اليه .. وهو يسير نحو الباب ليخرج .. : وريــــني كيف بتربيني يا ســــلمــان .. !!!
صدرت شهقات متفرقة .. من جميع الجالسين في المكان .. استنكاراً لإسلوبها .. اما هو فتوقف عن المشي حينما سمع صوت الصفعة القوية التي صدرت من احد ابناءه .. بحق هذه الطفلة الرعناء ..
- عــــــمك وتاج راسك يا حثـــــالة ..
التفت نحو ابنه الغاضب .. ورآها ساقطة على الارض من شدة الصفعة .. والاخرين يشاهدون ما يحدث بدهشة .. وصمت تام .. ابتلع ريقه .. لا يريد لابناء * سلطان * ان يعانوا .. اكثر مما عانوه في السابق ..
اما الاخر .. فكان ثائراً من شدة الغضب .. من هي .. لتتجرأ على رفع صوتها في حضرة والده ؟ .. والادهى من ذلك .. تناديه بأسمه بهذه الطريقة المستهترة ؟ .. انحنى ورفعها من صدر عباءتها .. و- لثمتها - قد سقطت عن وجهها .. لتقف مواجهة له .. وهو يصرخ .. : ان ما عرف ابوك واخوك يربوك .. انا باربيك واخليك ما ترفعين راسك بحضرته ..
قال بصوت هادئ .. : نايـــف .. خلاص ..
لكن نايف .. لم يكن يعي ما قاله والده من شدة غضبه .. : واللي خلقك .. لو سمعتـــــــك مـــرة ثانيــة تتكلمين معاه بالطـــريقة هذي .. بادفنـــــــك بأرضــــــك .. فـــــــااااهمـــة ؟
هل يوجد اقسى من هذا الوضع ؟ .. فيما مضى .. اذا صرخ بوجهها احد ما .. كان والدها مستعداً لقتله .. وبعد رحيل ذلك السند .. كان * محمد * يثور غضباً حال سماعه بإنها بكت بسبب شخص ما .. لكن اليوم .. من سيقف بوجه هؤلاء ؟ .. من سيحول بينها وبينهم ؟ .. من سيعمل جاهداً على منع دموع عينيها المتساقطة ؟ .. نظرت لوجهه القريب منها .. وشفتيها قد بدأت بالارتجاف دليل على اقتراب نوبة من البكاء المنهك .. وهي تقول بوجع .. : عمــي ؟ .. تقــ .. ـــول عمي ؟ .. - شهقت بألم .. ودموعها بدأت تتساقط مرة اخرى – أي عم ذا اللي شفته اول مرة فحياتي بعــــزا ابوي ؟ .. والمرة الثانيـــ .. ـــــة .. وبكل قواة عين .. فعــ ... ــــــزا اخوي .. وان شالله المرة الثالثة بتكون بوفاة وحدة منا !!!
نظر الى وجهها المغرق بالدموع .. ولسان قلبه يحدثه بعظمة حزنها الان .. والمها بسبب ما فعل .. ولكنه غير نادم على ذلك .. فوالده .. بالنسبة له شئ لا يمكن لأحد التطاول عليه .. صرخ مرة أخرى وهو يدفعها الى الخلف .. : انقلـــعي من قدامي ..
ارتدت الى الخلف .. وانزلت رأسها بانكسار .. هل هؤلاء اهلها فعلاً ؟ .. هل ستأتي اليهم يوماً في حال احتياجها لشخص يسندها ؟ .. رفعت رأسها مجددا ونظرت لذلك العم القاسي .. الذي بدوره اكمل طريقه بعد مشاهدة هذه المسرحية الهزلية .. لكنه صادف زوجة اخاه تقف امامه وعينيها على ابنتها الكبرى .. : خذيها وروحوا لبيتكم يا ام محمد ..
حركت رأسها بإيجاب .. وهي تنظر لـ * نجود * الباكية .. لم تعد تخاف ابداً .. فلديها فتاة تستطيع الدفاع عنهم .. : يالله نجــــود ..
مشت نجود بهدوء .. وتعدت * عمها * .. وذهبت ماشية بجوار والدتها للغرفة المخصصة لهم .. لإخذ حاجياتهم استعداداً لعودتهم الى المنزل الذي ضم محمد و اباه ..
******
الرياض
مستشفى ال ****** الخاص
12:30 ظهراً
يسير في ممرات المشفى بهدوء .. عكس الثورات المتأججة في داخله .. بعد انهاءه لصلاة الظهر في مسجد المشفى طبعاً .. وهو يحمل املاً بين اضلاعه .. فعسى ان يرق قلب ذلك العنيد .. ويريح قلبه المُتعب .. وصل الى الغرفة التي تحمل الرقم 543 .. الرقم الذي حفظه غيباً .. وبقي يحلم بخبر قد يصدر من ساكن الغرفة تلك .. طرق الباب مرتين .. ثم فتحها دون ان ينتظر اجابة ممن يجلس فيها .. نظر الى الفراش الخالي .. ثم وجه نظره الى ذلك الرجل الجالس على مقعد متحرك وينظر الى النافذة بشرود .. وهو مولي الباب ظهره .. دخل .. واغلق الباب خلفه .. ومن ثم تقدم ليقف بجوار المقعد المتحرك .. وهو ينظر الى المدى البعيد .. قال بعد استمرار صمت الجالس .. : شعور المظلوم .. شعور صعب ..
رد عليه الاخر بسؤال .. دون ان يغير اتجاه نظراته .. فهو يعرف الزائر الوحيد الذي اعتاد على القدوم الى هنا طوال الثلاث ايام الماضية .. : ليه انت جربته ؟
ابتسم بضيق .. : وايش تسميني الحين ؟ ..
قال باندهاش .. وهو يلقي نظرات مستصغرة للاخر .. : المفروض اسميك مظلووم ؟؟؟؟ ..
نظر نحو صاحب الغرفة .. : ايــه .. انا مظلووم ..
حرك رأسه نفياً .. وباستنكار .. : ظـــاالم .. انت ظـــااالم يا عبدالعزيز ..
اجابه عبدالعزيز بهدوء .. : انت ما تعرف اللي صار بالضبط .. ما تـــ ..
قاطعه عادل .. : لا تحـــاول تغير فكرتي عنك .. في عقلي كثير اشخاص مظلومين .. وانت وحدك اللي ظالمهم ..
سحب مقعد .. كان على بعد عدة خطوات .. وجلس بجوار الاخر .. : انا ما ظلمت احد .. الا لاني انظلمت قبله ..
عادل .. : لا تكمل .. انا ما ابي اسمع شي عن الماضي ..
عبدالعزيز .. بصوت ساخر .. : واللي تسويه الحين .. ما يعتبر شي عشان الماضي ؟؟ ..
التفت عادل نحو الامام .. : ما ابي اسمع شي عن الماضي .. منــــــــك .. لانك بنظري .. شخص كذاااب ..
قال عبدالعزيز بشئ من الغضب .. : انا ما كذبت عليك او على نجلا ..
اغمض عينيه بهدوء .. : كذبت علي .. يوم اللي عرفت ان نجلا توفت ..
صرخ عبدالعزيز بانفعال .. : بأيش كذبت عليك ؟؟؟ ..
قال وما زال الهدوء يغلف نبرة حديته .. : كذبت علي لما مثلت انك حزين .. وانك ندمان .. لدرجة اني قررت اقولك عن بنتك .. لكن وبكل حقارة .. بعد اسبوع سمعت انك ملكت على وحدة ثانية .. ومن عائلة غنية .. ما هي بمستوى نجــ ..
عبدالعزيز .. بصوت حاول فيه ان يكتم غضبه .. : ايـــــه .. انا ما انكر هذا الشي .. بس انـــا .. انا .. – لم يجد ما يقول - ..
قال عادل .. : انت كذاب ..
عبدالعزيز .. باستسلام .. : طيب .. انا كذاب .. وظالم .. بس ايش ذنب البنت ..
قال بابتسامة .. : ذنبها انك ابوها ..
عبدالعزيز .. بمحاولة .. لاستعطافه .. : لو عرفت انك سويت كذا .. وان حياتها طول ال 22 سنة كانت كذبة .. ايش تتوقع بيكون ردها ؟ ..
عادل .. ببرود كاذب .. : ما بتهمني ردة فعلها .. لاني بكون ميت .. وهي بتكون عندك .. لو بيصير عليها شي .. بتكون انت السبب فيه .. وانت اللي بتتعذب ..
عقد حاجبيه .. : وعقاب ربك ؟ .. ما تخافه ؟ ..
اجابه بسؤال .. : انا عندي مجال اني اصحح اللي سويته .. لكن انت كيف بتصلح خطأك ؟؟؟ .. ونجلا ماتت .. ومافي مجال انك تطلب منها السماح ..
عبدالعزيز .. وبعد ان اصبح الكلام فيما بينهما عقيماً .. : ابي بنتي يا عادل !!
قال باستهزاء .. : لاحظت انك في البداية استخدمت التجاهل معي .. وما نفعك .. وبعدها استخدمت العصبية .. وما نفعتك .. والحين تستخدم معي اسلوب اللطف .. – اتسعت ابتسامته - .. بقولها لك .. بعد ما ينفعك ..
عبدالعزيز .. : وايش بيصير .. لو ربك ما اخذ امانته الحين ؟ ..
قال عادل وهو يدير عجلات مقعده .. متوجهاً نحو السرير .. : بتبقى تتعذب .. وانا استمتع بشوفتك كذا ..
نهض عبدالعزيز .. ومشى نحو الباب .. وهو يسجل رقماً جديداً لعدد محاولاته الفاشلة في ثني * عادل * عن ما يقوم به .. : انا بناديلك احد يساعدك .. وبروح ..
نظر الى طليق اخته المرحومة .. وهو يفتح الباب .. : عبـــدالعـــزيز ..
توقف عن السير .. دون ان يلتفت ..
عادل .. : خايف ان ربك ما ياخذ امانته ؟ ..
التفت نحوه ببطئ .. وقال له .. : انا ما ابي موتك .. لكن ابي بنتي ..
ابتسم وعينيه تلتمع نتيجة تجمع الدموع .. : بياخذها .. الحين او بعدين .. بيااخذها ..
خرج من الغرفة واغلق الباب خلفه بهدوء .. وبقي واقفاً لعدة ثواني .. كما يفعل يومياً ومنذ ثلاثة ايام .. متى سيعرف مكانها ؟ .. متى سيراها ؟ .. متـــى ؟ ..
******
يتبـــــع