قبل عدد من السنوات الخوالي ، كنا نعيش في قرية زراعية ، والقرية في ربوة عالية في طرف وادي عظيم ممتلية جنباته من مزارع النخيل والخضروات بشتي أنواعها ، وفي الوادي عدد كثير من المزارع ، وكل مزرعة تحتوي على مئيات النخيل المتلاصقة ، حيث أن الوادي يوجد به ماء عذب وأباره يدوية ، والماء فيها قريب من وجه الأرض، حيث أن الوادي كانت تجري به العيون التي تتوزع منها مجاري للماء لكل مزرعة ، ولكن بسبب السيول الجارفة وأهمال القائمين على مشروع العيون من المزارعين ، تهدمت تلك المجاري وأندفنت العيون ، وأندثرت أثارهاوأختف أماكن ممراتها في الوادي .
وفي أحدى الليالي المقمرة طلعنا في طرف المزارع نتسامر كعادتنا في بعض الليالي التي نتفق على الخروج فيها إلى أطراف المزارع ونشم نسيم المزارع العليل الذي تاتي نسماته بين الفينة والأخرى ، حيث نستمتع بتنفس تلك النسمات العليلة الباردة ، ورغم أننا في أحد أشهر الصيف الحارة لكن مزارع النخيل مرتوية من الماء فتزفر ببرادها علينا فيلطف نسيمها الأماكن القريبة منها .
وكان في ذلك الزمان لا توجد كهرباء في قريتنا الجميلة المجاورة للمزراع ، والتي تزينها الفوانيس في الظلام الدامس ، حيث تكتنفها الجبال الشاهقة والمزارع الخضراء ، فمن ينظر إلى تلك القرية الصغيرة المتقاربة البيوت من مكان بعيد مرتفع من أحد التلال في ليل وقد أشعلت في أحوشتها النيران وعلقت عند بيبانها الفوانيس ، فكأنه ينظر إلى قطعة من السماء في ظلام اليل وقد تزينت بالنجوم الامعه البعيدة .
وكان معنا في سمرتنا تلك الليلة صديق لنا أسمه سعيد ، ولديه سيارة ونيت هايلكس غمارة ، وقد أشتراها له والده قبل عدة أشهر ، حيث أن والده رجل كبير في السن ولا يعرف لقيادة السيارات وليس لديه الرغبة في تعلم قيادتها ، فأعطاها لولده سعيد ، يجلب عليها المواشي ، والتمور ، ، وقد كانت في تلك الأيام السيارات قليلة في القرية ، ويكاد يعدون من يمتلكون سيارات في ذلك الوقت على الأصابع .
وكان طريق السيارات يمر في الوادي بين مزارع النخيل ، ويستمر الطريق عدة كيلو مترات في وسط الوادي الذي تكتنفه النخيل من كل الجهات ، والنخيل في أحضان جبال شاهقات ، ظلمات ومن وراءها ظلمات ، وكان سعيد يحب قيادة السيارة والأستعراض بها في القرية بين البيوت حتى لو لم يكن له طلب ولا لزوم .
وبعد صلاة العشاء قمنا نرتب لعمل العشاء في مكاننا الذي يعلوا أحد التلال الملاصقة لأحدى مزراع النخيل الكبيرة ، وبعدما وضعنا قدر العشاء و به ذبيحتنا على النار ، أكتشفنا أننا قد نسينا الملح .
فقال لنا سعيد أنا أبا اروح أجيب لكم الملح من الدكان الي في القرية قبل ما يقفل ، حيث أنه يقفل في العادة بعد صلاة العشاء بنصف ساعة تقريباً .
وطلع سعيد في سيارته وراح يجيب لنا الملح ، وحنا نطالع في نور سيارة سعيد من وقت ماراح من عندنا لين أختفت عنا ورى النخيل ودخلت داخل القرية .
وأنتظرنا سعيد يرجع لنا بسرعه ، ولكن سعيد تأخر علينا ، وأنتظرنا وأنتظرنا ، وبداء الخوف على
خوينا يقلقنا .......
تستطيع المشاركة هنا والرد على الموضوع ومشاركة رأيك عبر حسابك في الفيس بوك