حتى الحادية عشرة من عمري؛ قد نشأت في ملحق خاص من بيت العائلة الكبير (الجد والجدة والأعمام)، وحظيت آنئذ بدلال استثنائي من أعمامي الذين نشأت معهم؛ إذ إني كنت الحفيد الذكر الوحيد في منزل والدي الأكبر (جدي)؛ والذي كنا لا نسميه إلا "أبي الكبير"؛ إذ إنّ لفظة "جد" غير لبقة في عُرف عائلتي، وهو تقليد نتوارثه حتى الآن.
في منزل أبي الكبير (جدي) كانت هناك أدبيات معينة ألفها الجميع فصارت تلقائية؛ مثل: الوقوف لوالدي الكبير بمجرد دخوله، وعدم الجلوس قبل أن يجلس، وعدم ابتداء الحديث ما لم يستفتحه، وعدم تسمية الأحفاد (ذكورًا وإناثًا) إلا بأمره وتسميته.
من سوء الأدب أن تُراكي والدك (تتكئ معه على نفس التكأة التي يستخدمها)، ولا يجوز أن تقبل مصافحة أحد ابتدأك بها إذا كنت واقفًا بجوار الوالد الكبير؛ وعليك فورًا أن تشير له برأسك أن يبدأ الوالد بالسلام ثم أنت.
من المعيب في أسرتنا أن يُسلم أحد أعمامي -وهم عشرة أعمام من أمهات شتى- على أخيه الذي يكبره دون أن يقبل رأسه، ولو كان الفارق بينهما عدة شهور.
شخصيًا حصلت مني ثلاث مخالفات:
في طفولتي كنت أمشي خلف والدي الكبير (جدي) بمعية خادمه وأحد أعمامي، ولسبب لا أدريه تقدمتهم إلى باب المنزل، فنلت من عمي توبيخًا قاسيًا على هذا التصرف.
في المتوسطة افتعلت عامدًا مخالفة أخرى بحضور والدي الكبير، وذلك عندما قدّمت فنجان القهوة لعمي الأصغر قبل الأكبر -الفارق بينهما سنة فقط-؛ فنلت توبيخًا قاسيًا منه؛ جعلت عينيّ تغرورقان بالدموع!
لا أدري لماذا تعمدت ذلك، والأقرب أني كنت أطمع بتوجيه لطيف بأن عمي هذا أكبر من ذاك، فكانت المفاجأة أن هذا لم يحدث، وأن الأسوأ يليق بك
أما الثالثة؛ فقد كنت في مجلس أبي الكبير، وفي المجلس أحد أعمامي، ولطول مدة الجلسة فإني قد مددت قدمي قليلًا إلى الأمام للاسترخاء، فنظر عمي إلى قدمي نظرة توبيخ واشمئزاز؛ فكففتها.
إذا ما تزوجت واستقليت في منزل آخر؛ وحدث أن صارت عندك وليمة في هذا المنزل، فإنه من غير المستساغ أن تقول أنت لضيوف وليمتك: تفضلوا إلى العشاء؛ وإنما العُرف عندنا هو أن تشق المجلس، ثم تهمس في أذن والدك أنّ صالة الطعام الآن جاهزة، فيقوم هو بالترحيب بالضيوف ودعوتهم إلى تناول الطعام.
من العُرف السائد في عائلتنا -وعند كثير من الأسر السعودية- ألا تتناول الطعام مع ضيوفك، وتكتفي فقط بالإشراف على خدمتهم.
أقول: ربما ينظر البعض إلى هذه الصرامة التي انتهجها أبي الكبير -رحمه الله تعالى- على أنها غلو ومبالغة، ولكني اليوم بعد تبدل أخلاق هذا الجيل -بما فيهم جيل عائلتنا- أراها تربية راقية.
(هناك بعض الأدبيات الأخرى يمنع عن ذكرها مقص الرقيب)
منقول على لسان صديق لي
تستطيع المشاركة هنا والرد على الموضوع ومشاركة رأيك عبر حسابك في الفيس بوك