خادم الحرمين الشريفين: عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وفقه الله لطاعته.
صورة لصاحب السمو الملكي الأمير: سلمان بن عبد العزيز ولي العهد وفقه الله لطاعته.
صورة لصاحب السمو الملكي الأمير: مقرن بن عبدالعزيز النائب الثاني وفقه الله لطاعته.
صورة للمجلس الأعلى للقضاء وفقهم الله لطاعته.
صورة لسماحة مفتي المملكة وفقه الله لطاعته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فيقول الملك الحق {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير}، هذا حال الخلق، وهكذا هو حال الدول، فلا تقوم دولة إلا بضعف يقارنُ شَيْبَةَ التي قبلها.. يعتلجان حتى يدرك تأييد الله أقربهما إلى العدل بمفهومه الشامل.. عدل في حق الخالق وعدل في حق المخلوق، (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)، فإن وفّوا بالأسباب الدنيوية وأخلوا بأسباب التمكين الشرعية -ومن أعظمها إقامة العدل والتجافي عن الظلم- خذلهم الله ولم تغن عنهم قوتهم شيئاً (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون) (وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار).
تروي لنا كتب السير أن والياً للخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز رحمه الله أرسل إليه كتاباً يطلب فيه تزويده بمال يُرمم به ما خرب من سور المدينة، فكتب إليه عمر: (أما بعد، فقد فهمت كتابك وما ذكرت أن مدينتكم قد خربت، فإذا قرأت كتابي هذا، فحَصِّنها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم، فإنه مَرمَّتُها والسلام).
وتروي لنا أيضاً: أن الخليفة العباسي أبا جعفر قال لابنه المهدي يوصيه: (يا أبا عبد الله، الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلًا من ظلم من هو دونه).
ومن العدل الذي يشكوه الناس أن يستعمل عليهم من الوزراء من لا يرضون إدارته أو ديانته، ومن أولئك وزراء استعملوا في السنوات الأخيرة لم ير الناس منهم لا صلاح دنيا ولا دين، ضيقوا على الناس في أرزاقهم باسمكم، وعطلوا مصالحهم باسمكم، لم يفلحوا إلا في محاولة جرّ الناس إلى مقت الله وغضبه..
ومنهم وزير العدل د. محمد العيسى الذي مقته غالبية القضاة لإدارته الفاشلة وتصرفاته اللامسؤولة وكتبوا إليكم وإلى ولاة عهدكم بشأنه كتابات فردية وأخرى جماعية وكانوا ولا زالوا يطلبون عزله لرأب الصدوع التي شرخها في الجهاز العدلي. وتعيين الأكفاء من الأمراء والوزراء حقٌ من حقوق الرعية، وعزل غير الكفء واجب من واجبات الولاية، فمن المأثور عن عمر رضي الله عنه: "هان شيء أصلح به قومًا أن أبدلهم أميرًا مكان أمير".
إنِّ الناس يا خادم الحرمين على صفيح ساخن يغلي كغلي الحميم، إنْ على دنياهم وإنْ على دينهم.
يرون الدولة تتبرع ببذخ على الدول وهم قد حطمتهم القروض لتأمين أدنى الكمال من الحاجيات، فلا سكن، والشاب لا زواج ولا عمل..
سمعوا بمشاريع.. قيل إنها لأجلهم، وخُصص لها مليارات.. كمشاريع الإسكان وصندوق الفقر ومشاريع المدن الصناعية وما ينتج عنها من وظائف.. لكنهم لا يرون بوادر نتاج على أرض الواقع تخفف من تشوفهم وقد خلق الإنسان من عجل.
يزيد غليانهم مزاحمتهم في معاشاتهم وأرزاقهم، فالرشوة في نمو سريع.. ومظاهر أخرى كان من آخرها الضريبة التي فرضت على التجار، والتي أحدثت امتعاضاً عريضاً في كافة المناطق..
ويرون يا جلالة الملك جملة من المسئولين يتنافسون في إفساد دين الناس وحشمة نساءهم تحت شعارات يسمونها بغير اسمها (والله يعلم المفسد من المصلح).. يرون هذا السعي الحثيث في الإفساد يقارنه سكوت الأمراء الذين أعطاهم الناس صفقة أيديهم على أن يجعلوا القرآن والسنة دستور دولتهم.
ويرون الأبواب مُشْرَعة لكل غادٍ إلا لناصح !
أما ملف المعتقلين يا خادم الحرمين فهو.. لا أدري بما أصفه؟!
إنّ بقاء ملفهم هكذا مفتوحاً بلا إرادة صادقة لإنهائه برفع الظلم هلاكٌ، فالظلم إذا دام دمّر، وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم فيما أخبرنا: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي-أي الظلم- وقطيعة الرحم".
والمحزن أنَّ دائرة الظلم اتسعت على الموقوفين حتى بدأت تتدرج إلى أهاليهم الذين يراجعون لرفع الظلم عن ذويهم.. ثم اتسعت حتى شملت نسائهم!
عار والله لا بعده عار أن يجري هذا ولا يرى الناس يداً عاقلة تأخذ بيد من دونها، تحاسبها وتحجزها عن ظلم العباد.
وبعد:
فلسوء الوضع القضائي، ولأداء القيادة العدلية المحبط والمخيب للآمال، إضافة للأسباب الأخرى التي صرحت بها وما جرى مجراها آن لي أن أخرج من القضاء حُسْبَة كما دخلت فيه حُسْبَة، وقد عملت في القضاء عقداً من الزمن ما خنت الأمانة فيما أرجو ولا وقفت باب أمير ولا من دونه أطلب عَرَضاً من دنيا..
دخلت فيه حزيناً وجلاً من ثقل الأمانة، وقد حقّ لي أن أفرح بخروجي منه، فإذا وصلكم كتابي هذا فهو كتاب استقالة.
أجرى الله على يديكم عدلاً ورفع ظلماً. وبالله التوفيق.
وكتبه: د.نايف بن علي القفاري
مساعد أمين الهيئة العامة ونائب رئيس
إدارة الدراسات والبحوث في المحكمة العليا