كان أمية بن الأسكر الثقفي رضي الله عنه يسكن بالطائف ، وهو ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيراً فقد عاش في الجاهلية زماناً طويلاً وعمي، فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسلم ولداه وهما كعب وكلاب، وكان كلاب أحب أولاده إليه.
فجاء سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يحض أهل مكة وأهل الطائف على الغزو معه في سبيل الله إلى القادسية، فخرج ولدا أمية بن الأسكر فبكى بكاء شديداً لفراقهما وهو شيخ كبير ترتعش يداه وقد عمي، فكان من شعره الذي وصل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ ذاك { اعد قراءة هذا الشعر مرات وستجد لذة الشعر وطراوته وسحر اللغة فيه } :
يا ابني أمية إني عنكما غانٍ *** وما الغنى غير أني مرعش فانٍ
يا ابني أمية إلا تشهدا كبري *** فإن نأيكما والثكل مثلان
إذ يحمل الفرس الأحوى ثلاثتنا *** وإذ فراقكما والنأي سيان
يا أم هيثم ماذا قلت أبلاني *** ريب المنون وهذان الجديدان
إما تري حجري قد رَكَّ جانبه *** فقد يسرك صلبا غير كَذَّان
أو ما تريني لا أمضي إلى سفر *** إلا معي واحد منكم أو اثنان
ولست أهدي بلادا كنت أسكنها *** قد كنت أهدي بها نفسي وصحباني
أمسيت هُزْءاً لراعي الضأن أعجبه *** ماذا يريبك مني راعي الضان
انعق بضأنك في نجم تحفره *** من المواضع واحبسها بجمدان
إن ترع ضأنا فإني قد رعيتهمُ *** بيض الوجوه بني عمي وإخواني
فلما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه شعره رحمه وأرسل إلى سعد أن يسفر إليه كلاباً، فجاءه بالمدينة وأرسل إلى أمية فجيء به، فسأله: لماذا أحببت كلاباً؟ فقال: كان أبر أولادي بي، وكان إذا أراح الإبل اختار أحبها إليَّ فغسل ضرعها بالماء وغسل الإناء واحتلب بيده وأمسك عليَّ القعب حتى أشرب منه، فأمر عمر كلاباً ففعل ذلك، فجاء عمر فأمسك القعب على أمية، فلما ذاقه قال: "حلبُ كلابٍ ورب الكعبة"، فعرف طعم حلبه كما عرف يعقوب عليه السلام ثوب يوسف، فأمره عمر أن يلزمه وأن لا يفارقه حتى يموت.