سوق فاقدة للهوية، والمرجعية، تتلاعب بمريديها أنَّى شاءت. تتزين لهم بالخضرة، وتغويهم، وتدعوهم لمطارحتها الغرام، فإن فعلوا قلبت لهم ظهر المجن، وأحرقتهم بنارها الحمراء. أدمن الناس عشقها، وأدمنت الجفوة، والنكران، واستنزاف مدخراتهم، وكأنها تلاعبهم النرد في صالات القمار.
ما الذي يحدث في سوق الأسهم السعودية؟ لا أحد يملك الإجابة الشافية، ولا أحد يريد أن يتفضل بإطلاع المواطنين على متلازمة الوهن التي ضربت سوق المال، فأخرجتها عن انضباطية الحركة، والاستقرار. سوق من ورق، يعبث بها الكبار، ويتضرر منها الصغار، وفق إطار نظامي يسمح بنقل المدخرات وفق آلية الربح والخسارة المُخطط له سلفاً؛ فيزداد الأغنياء غنى، ويزداد الفقراء فقراً، بمباركة الرقيب.
لم تعد السوق مرتبطة بالمتغيرات الاقتصادية، بقدر ارتباطها برؤية كبار المضاربين الذين يحددون وجهتها ابتداء، ثم ينتظرون البيانات الاقتصادية والبيانات المؤثرة لتحريكها، وإحداث ردة فعل عنيفة؛ فتصبح حركتها غير متوافقة مع النسق العام، أو ربما توافقت جزئياً، ثم شطحت بعيداً في ردة الفعل المصطنعة.
«هوامير» السوق ليسوا مسكونين بفن التعاملات المالية المفضية لتحقيق الربحية وفق التداول العادل، بل هم أكثر ارتباطاً بالاحتكار والسيطرة اللذين يمكّناهم من انتزاع الأموال لا كسبها.
ما الذي يحدث في سوق المال؟ إنها الفوضى المدمرة ولا شك. سوق يتيمة فاقدة المرجعية، تتنازعها وزارات ومؤسسات حكومية متداخلة. في خبر لافت، توقعت جريدة الوطن السعودية عزل وزارة التجارة مجلس إدارة موبايلي بعد فضيحة تدليس القوائم المالية. وعلى الرغم من أن الشركات السعودية تقع تحت مظلة الوزارة إلا أن هيئة السوق المالية تعتقد أنها المظلة الوحيدة للشركات المساهمة. تداخل الصلاحيات والمرجعية يمكن ملاحظته في قطاعي المصارف والتأمين اللذين تتنازع مؤسسة النقد وهيئة السوق المالية ووزارة التجارة مسؤولية الإشراف على شركاتهما.