نعم ، والله ما زلّ وما ضلّ ! وما زاد على أن نطق بالحق الذي نعتقده وأعلن الحقيقة التي نعرفها.
لقد شكّل قرار إحالة الدكتور محسن العواجي والإعلامي المديفر إلى التحقيق والمحاكمة، ومنع ظهورهما الإعلامي، وإيقاف برنامج "في الصميم" صدمة أيقظت الحالمين، وخيّبت آمال المتفائلين، لأسباب عدة منها:
أولاً: إن الدولة أحوج ما تكون إلى أبنائها، وهي حريّة باحتوائهم والنظر إليهم بعين الرفق والحكمة والرحمة، فلا يطاول بأسها إلا من بغى واعتدى على الدين والوطن، وهذا أوان مزيدٍ من التهدئة والتصالح والتقارب في الداخل، وتقديم مصلحة البلد العليا على الانتصار لشخص مهما علا مقامه. وأجزم أن استئناف قرارات التضييق على أهل الفضل والإصلاح يضر بالمصلحة العامة ولا يرضي عاقلاً أو محباً لخير هذا الوطن وفلاحه .
ثانياً: منذ ولي خادم الحرمين _سلمان بن عبدالعزيز_ المُلك، وبشائر العزة والكرامة والعدل تترى، ثم جاء خطابه قبل أيام مؤكداً أنه يحق لكل مواطن أن يشكو الملك أو ولي العهد أو الوزراء ويقاضيهم، وأن الدولة تكفل للمواطن المساواة وحرية الرأي وحق التعبير. ولما حدث أول اختبار لذلك، وأبدى أحد الشرفاء رأياً لا كذب فيه ولا تضليل ولا ظلم ولا تحريض، أتى الأمر العاجل بمعاقبته وإسكاته.
ثالثاً: من يعرف الدكتور العواجي عن كثب، يدرك جيداً أنه من الأحرار المخلصين، أصحاب المواقف، الغيورين على أوطانهم، ما تزلّف ولا نافق، ولا تلوّن ولا حابى، فالمآخذ والأخطاء التي أشار إلى حدوثها في عهدٍ مضى كان قد انتقدها صراحةً في حينها، وهو من قبل ومن بعد ما خرج على وليّ الأمر، وما مال إلى عدو، وما دعا إلى ضلالة، وما جاهر بمعصية .
وبالعودة إلى برنامج "في الصميم"، ومقابلة العواجي، فإنك تعجب لأمور:
-أولئك الذين فرحوا بالقرار، أو شتموا وشمتوا وتشفّوا، أو سوّغوا وبرّروا الإيقاف وتكميم الأفواه هم ثلاث فئات: فئة من بني ليبرال، أدعياء الحرية والتعددية الذين ما عهدنا عنهم إلا النفاق والتناقض والكذب، وفئة من مدمني الذلّ والعبودية الذين استمرؤوا العيش في ظلمات الخوف ودياجير الصمت، فحين ارتفع الصوت بالحق حولهم اضطربوا واستنكروا، وفئة سمعوا أن هناك قراراً صدر، وأن العواجي أساء، فأمّنوا وصفّقوا، وهم ما شاهدوا اللقاء أصلاً، فعجباً كيف تفرح بأذى يصيب أخاك؟!
- ليس فيما قاله الدكتور محسن ما يستحق أن يُحاسب أو يُحاكم عليه. إذ لم يتطاول على الملك عبدالله (رحمه الله)، فما ذكره من أنه "في قبره وسيُسأل عن كل صغيرة وكبيرة" هو ما يسلّم به كل مؤمن على وجه الأرض. فأسرع الحاسبين (سبحانه) لا يستثني من الحساب صغيراً ولا كبيراً، ولا ملكاً ولا صعلوكاً، بل إن حساب الملوك أشد من غيرهم وأثقل. وليت شعري ما الذي أغضب بعض الناس من كلام العواجي! أينكرون موت الملك عبدالله، أم دفنه في قبره وحده، أم الحقيقة التي مؤداها أنه سيُسأل عن حكمه؟ أيفترضون فيه العصمة من الخطأ حيّاً، ثم النجاة من السؤال ميّتاً؟!
أما ما أشار إليه العواجي من بعض أخطاء السياسة الخارجية في الفترة السابقة مما نتكبد الآن تبعاته، ونحاول تداركه كالقضية الحوثية وغيرها، فالعواجي لم يُذع سرّاً ولم يزيّف واقعاً، والاستفادة من أخطاء الماضي خيرٌ من التعامي عنها ثم التمادي فيها. كما أن الاعتراف بالمشكلة والاجتهاد في حلها، والاعتبار بالدروس أولى من دفن الرؤوس في الرمال. والعواجي ما سبّ وما لعن، إنما ذكّر ونصح. وليس عبد الله بن عبد العزيز بأعظم ولا أشرف من الأنبياء والرسل والصحابة الذين نُقلت لنا قصصهم ومواقفهم، بل إن معاتبة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم هي قرآن يُتْلَى إلى يوم القيامة.
--العجيب أن من رأوا في حديث الدكتور محسن العواجي تعدياً على حرمة الأموات لم يهبّوا لنصرة أم المؤمنين عائشة وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن يلعنهم ويقذفهم جهاراً، ولم نر عقاباً يحلّ بمن يتطاول ويطعن في سلف الأمة وجهابذة علمائها، وها نحن نشهد ليل نهار من يقدح في ابن تيمية وابن عبدالوهاب وغيرهما فما ضجّ أحد وما صدر قرار!
--إن الذين أغضبتهم صراحة الدكتور العواجي وعدّوها سوء أدبٍ مع الملك عبدالله، لم يغضبوا لرب "عبدالله" حين أساءت "برامج وقنوات الانحراف" الأدب معه من خلال بث المجون والفجور، ولم نسمع عن إيقاف "فنانٍ" ما أو قناة ما، والذين ظنوا أنهم بهذا القرار ينتصرون للملك الراحل ما رأيناهم ينتصرون "لملك الملوك" مع غناه عن الخلق أجمعين.
إن المديفر استضاف العواجي فكان لنا ولقيادتنا من الناصحين المخلصين، فعوقب المديفر وأوقف برنامجه.
داوود الشريان استضاف "المولد" الذي كفّرنا وقيادتنا وأولنا وآخرنا، فما رأينا مشاعركم تنتفض لإهانتكم وتكفيركم، والأمر نفسه يسري على بقية البرامج التي تسيء إليكم وإلى دينكم فما تحركت غيرتكم.