من الذكاء السياسي كيفية الاستفادة من عدوكم أو خصمك دون أن يشعر وذلك باستخدام نفس أدواته التي يستخدمها ضدك اتباع لفكرة " أقلب السحر على الساحر" وهذا ما تفعله بعض الدول حاليا في الحرب الدائرة في سوريا. فإيران مثلا عندما شاهدت نجاح تجربتها في صنع حزب الله وكيف أصبح ذراعها العسكري في المنطقة الحامل على عاتقه زورا الدفاع عن معتقد آل البيت وكيف أصبح حجر زاوية في المشهد السياسي اللبناني وجدت في ظهور داعش فرصة لإنشاء جماعة مسلحة تكون ذراعها العسكري بصبغة سنية وذلك لإيهام الناس بأن الإرهاب مرتبط بالسنة خاصة وأنها تعلم أن داعش صنيعة أمريكية إسرائيلية ولهذا لم تجد بأس في التحالف مع الشيطان الأكبر ومع الصهاينة لإنشاء ودعم هذه الجماعة الإرهابية التي لم تطلق رصاصة واحدة اتجاه إسرائيل وإيران ولم تقوم بعمليات إرهابية على أراضيها. فالإدارة الأمريكية أرادت من إنشاء داعش تغيير الخارطة الجغرافية والسياسية في المنطقة بعد أن وجدت اتفاقية سايس بيكو لا تلبي تحقيق مصالحها في عصرنا الحالي. أما إسرائيل فداعش تحقق لها أهدافها في إلهاء الشعوب والحكومات العربية في اقتتال داخلي فتعمل على ترسيخ وجودها في أرض فلسطين وتقوية نفوذها في المنطقة. أما طهران فوجود داعش يحقق لها أهدافها في بقاء نفوذها في سوريا والعراق وإلصاق الإرهاب في العرب وفي المذهب السني الذي يطلقون عليه زورا وبهتانا ( المذهب الوهابي ) والسيطرة سياسيا واقتصاديا على العتبات والمزارات الشيعية في النجف والكوفة وباقي أراضي العراق وسوريا. وقد زاد اليقين بأن داعش هي صنيعة أمريكية إسرائيلية إيرانية بعد الأحداث الإرهابية الأخيرية التي وقعت في باريس والتي أعلنت داعش مسئوليتها عنها فبسببها تغيرت المواقف الفرنسية الداعمة لدول الخليج العربية والمقاومة السورية التي تطالب برحيل النظام البعثي بزعامة بشار الأسد ولمليشيات حزب الله كخطوة للحل في سوريا فأعلنت الإدارة الفرنسية بعد هذه الأحداث بأنها تعتزم التعاون مع الجيش النظامي البعثي في سوريا لقتال داعش وأنها توافق على وجود النظام البعثي السوري بزعامة بشار الأسد في المرحلة الانتقالية كحل سياسي في سوريا. والناظر إلى ما تقوم به داعش من قتل وتدمير في سوريا والعراق يجد بأنها لا تقاتل الجيوش النظامية في هذين البلدين بل بالعكس تقاتل الفصائل السورية المقاومة وتقتل وتدمر المناطق السنية فيها كما يجد بأن الجيوش النظامية لا تحتك بداعش نهائيا وهذا ينطبق على التدخل الروسي الذي وجه وفق تقرير لوكالة رويترز80% من ضرباته العسكرية ضد مواقع المقاومة السورية بمختلف فصائلها ومنها الجيش الحري مما سمح لداعش في 9 أكتوبر من التمدد مسافة 10 كيلومترات داخل المواقع التي كانت المعارضة السورية تسيطر عليها شمال شرقي حلب وريف حمص. وبسبب تسارع القوى العالمية بزعامة واشنطن على تحقيق اهدافها من وراء هذه الحرب سارعت الدول الخليجية هي ألأخرى الخوض في هذه الحرب وإبعاد نارها عن حدودها من خلال إعطاء ضمانات سياسية واقتصادية لروسيا حتى تتدخل عسكريا في المنطقة لتمنع انفراد واشنطن التي بدأت فعليا بالتقارب مع إيران لإعادة تقسيم المنطقة. أما بالنسبة لتركيا فقد وجدت في الحرب السورية فرصة لضرب واضعاف حزب العمال الكردستاني فقامت بنقض معاهدة وقف اطلاق النار بهجومها على مدينة سوروج التركية وقتل ما يقارب من 32 شخصا غالبيتهم من الأكراد وبعد أن رد عليها الحزب بقتل شرطيين تركيين قام الجيش التركي بقصف مواقع الحزب جنوب شرق تركيا وشمال العراق خاصة وأنها رأت قوة الميليشيات الكردية في سوريا باعتبارها خصم قوي في الحرب السورية. ولهذا السبب تحاول تركيا بقوة خلق منطقة أمنة على حدودها مع سوريا ليس تجنبا للاحتكاك مع القوات الدولية التي تجوب اجواء سوريا ولا من أجل خلق مناطق لحماية المدنيين بل من أجل خلق منطقة مستقلة ذاتيا للتركمان الموالين لها على غرار كردستان العراق التي نشأت في عام 1991 كمنطقة آمنة ثم مع مرور الوقت أصبحت مستقلة ذاتيا وقد تستقل كدولة ذات كيان سياسي عند الانتهاء من تقسيم المنطقة. فداعش التي صنعتها أمريكا وطهران وإسرائيل كأداة لحربها في المنطقة استخدمتها كذلك روسيا وتركيا وفرنسا لعلها تقلب السحر على الساحر والخاسر الأكبر هم الشعب السوري وكذلك استنزاف دول الخليج ماليا وابقائها في حالة توتر. ولنا في تفجيرات أنقرة مثال والتي بسببها ارتفعت أسهم حزب العدالة والتنمية واستطاع اجتياح الانتخابات بغالبية مريحة وتشكيل حكومة تركية منفردا بعد أن خسر الكثير من مقاعدة لصالح حزب الشعوب التركي وتعثره تشكيل حكومة وفاق مع هذا الحزب في الجولة الأولى من الانتخابات.