التستر (المكشوف) عنوان سوق السمك في جدة أو ما يطلق عليه الأهالي اصطلاحا (البنقلة). وفي جولة ميدانية لـ»الرياض» داخل السوق لم نشاهد أي شاب سعودي يمارس البيع، وانما اقتصر دورهم على الشراء فقط، والغريب ان الباعة من جنسيات مختلفة، أي ان مجال البيع في السوق مفتوح للجميع ما عدا السعودي. والسؤال الذي يطرح نفسه، ويحتاج إلى إجابة شافيه، هل هذا العزوف من السعوديين بسبب سيطرة المقيمين المتدثرين تحت عباءة التستر، ام هو كسل؟. والحقيقة ان الاجابة تحتاج إلى دارسة واقعية للسوق من الجهات المعنية، خاصة وان العائد المادي من السوق كبير وكبير جدا، فهناك ارقام ترى ان الدخل الشهري للسوق يصل الى 100 مليون ريال، أي اكثر من مليار ريال سنويا، يحصل منها المؤجرون بالباطن على الفتات وتذهب المبالغ الكبيرة للعمالة الوافدة. علي قرون احد مرتادي السوق قال: انا من رواد السوق في فترات متقطعة، وما يلفت انتباهي انني اشاهد الباعة من جنسيات مختلفة، ولايوجد بينهم أي شاب سعودي، رغم ان صيد السمك من المهن التي اشتهرت بها جدة، وحاليا اهل البلد مختفين تماما من ممارسة هذه المهنة، التي تحولت إلى هواية فقط تمارس في أوقات الفراغ، مضيفا: «الرزق في السمك مردوده عالي، وهي مهنة تحتاج الى مجهود جسدي كبير وصبر». واسترسل قرون: ما يميز بنقلة جدة ان الاسماك تصل إليها من اماكن مختلفة سواء داخل المملكة او خارجها، وان كانت الكمية الأكبر تاتي من اليمن، وسلطنة عمان، فالمنتج السعودي من الأسماك المستهلكة لا يتعدى 25 في المئة و75 في المئة مستورد سواء على شكل أسماك مجمدة أو مبردة، ايضا تتميز بالقوة الشرائية، فالسمك وجبة لابد ان تتواجد على المائدة الحجازية أسبوعيا، ويندرج ضمن قائمة الولائم في جدة، مشيرا الى أن الزائر بإمكانه ان يختار من الاصناف العديدة التي تتوفر في السوق، وان كان الناجل الذي يمنع بيعه هذه الايام هو المطلب الاول لاهالي جدة. من جانبه، شدد عبدالرحمن العتيبي على ان الجهات المعنية كأنها لا ترى هذا التستر في البنقلة، فجميع الباعة عمالة وافدة ولا يوجد بينهم أي سعودي، الوافدون مسيطرون على السوق بشكل كامل، وكل العوائد تذهب إلى خارج البلد. واقترح العتيبي أن تتولى إدارة السوق شركة كبيرة تستطيع ان تستقطب السعوديين، لان العوائد المتحققة من السوق كبيرة، يفترض ان يستفيد منها المواطن بالدرجة الاولى، لكن واقع الحال عكس ذلك تمام. وعلى نفس السياق، قال جابر القرني: انا من زائري السوق شبه اسبوعيا، واتعجب من عدم وجود ابن البلد الذي يعمل في هذه المهنة، بل أشاهد سيطرة بعض الإخوة من جنسيات محددة على كامل السوق، والحقيقة ان السعودي هو السبب في ذلك، حيث يقوم بتأجير موقعه بالباطن بثمن بخس، والوافد هو الذي يجني أرباحا بالملايين، متسائلاً: هل البلدية والجهات الحكومية الاخرى لا ترى ما يحدث في سوق السمك. من جهته، طالب طارق التواتي بحملة من الجهات المعنية لضبط مخالفات السوق، مقترح ربط إصدار التاشيرات لهذه العمالة بضوابط مشددة، خاصة ان معظم من يعمل بالسوق مجهولون أو بدون إقامات نظامية. محمد العجلاني طالب وزارة الزراعة بتفعيل برنامج معهد الصيادين وتقديم الدعم للشباب السعودي وتأهيله للدخول في هذا السوق المربح ليتم إيجاد فرص وظيفية جديدة لشبابنا. يشار الى أن موقع مدينة جدة الاستراتيجي والجغرافي المتميز على ساحل البحر الأحمر سبب رئيسي لاهتمام سكانها بمهنة صيد الأسماك منذ قدم التاريخ، وقد انشئت في جدة أول سوق للسمك (البنقلة) في عهد جلالة الملك عبد العزيز -رحمه الله - وكان السوق بسيطا جدا ومتواضعا وعبارة عن (برندات) صغيرة المساحة مصنوعة من القش ثم تطور بعد ذلك السوق إلى أن عرف بـ سوق السمك المركزي. قوة شرائية يشهدها السوق