يدخل "صريح" إلى المطبخ في كل ظهيرة قبل أن يغادر إلى عمله ليذكّر زوجته بالاقتصاد في استهلاك لوازم إعداد الطعام، خاصة المعلبات التي تستهلك في "رمضان" بشكل كبير كالجبن والقشطة واللحوم بأنواعها.. إنه يفعل ذلك في كل يوم من دون أن ينتبه أن تلك العادة الرمضانية لديه أصبحت أسطوانة مكررة في كل سنة حتى أصبح يرددها عنه أحفاده الصغار الذين أصبحوا يحفظون طباع "صريح" في التصريح بحبه للاقتصاد في لوازم الطعام، حتى إن استلزم الأمر إعداد الكعك من دون بيض أو زيت، مع اشتراطه أن تكون المائدة الرمضانية لديه متنوعة!.
يخرج "صريح" من منزله وهو يفكر بقائمة الطلبات التي سيعود إلى البيت ويجد زوجته قد وضعتها على منضدة الغرفة تنتظر أن يفتح جيبه ليشتريها.. يقود سيارته بتثاقل إلى العمل فتغلق إشارة المرور الخضراء وتضيء الحمراء، بينما هو يقف بسيارته سارحاً في الحياة التي أصبحت صعبة وتكاليفها التي أصبحت مرهقة، ويتذكر كيف كانت النساء تعد وجبة الإفطار في رمضان متنوعة وشهية من دون أن تكون مُكلفة كما يحدث في الوقت الراهن، يفرك رأسه بأصبعه ثم يردد "نعم هكذا كانت تفعل أمي.. الله يغفر لها ويرحمها" ولكن التي في بيتي تحب "الإسراف".
يلتفت "صريح" عن يمينه ليلمح إعلاناً في محل كبير كتب عليه "اشتر ثلاث علب وأحصل على اثنتين مجانا".. ينتظر الإشارة الحمراء أن تأذن له بالسير حتى ينطلق إلى ذلك المحل ويقف لديه ودخل فوجد عروضاً مهولة على أصناف المعلبات وبعض الأطعمة يتناول عربة ويلتهم جميع العروض ليركض إلى المحاسب قبل فوات الأوان.
خرج "صريح" بعد أن شعر أنه امتلك الدنيا؛ فما كان يشتريه بعشرة ريالات اشتراه بثلاثة ريالات ونصف.. يفكر من فرط سعادته أن يستأذن من عمله، فيتصل على مديره يطلب إجازة مرضية عارضة، ثم يعود إلى المنزل مستبشراً ليباغت زوجته قائلا "خلاص.. تخلصت من طلباتك التي لا تنتهي.. هذه كمية كبيرة من الجبن والقشطة تكفي لما بعد الشهر.. إياك وأن تطلبي مني شيئاً بعد اليوم" يرمي بالعلب ويدخل إلى غرفته.. يستلقي على سريره في سعادة يغمض عينيه بعد أن يعيش تلك الراحة التي لم يقطعها سوى صوت زوجته وهي تخبره بخوف "باقي على انتهاء صلاحية العُلب ثلاثة أيام فقط.. وما اشتريته يكفي لشهر.. ماذا نفعل بكل هذا العدد!".
جميل يا "صريح" أن تدعو إلى عدم التبذير.. ولكن حتى لا تقلق من حولك عليك أن لا تمتهن البخل بذريعة البعد عن التبذير.