انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: الأسباب والسيناريوهات المحتملة
الكاتب: عارف عادل مرشد
17/02/2016 10:42 م
أصبحت بريطانيا في عام 1973عضواً في الاتحاد الأوروبي (EU) الذي تأسس بناءً على اتفاقية «ماستريخت» في عام 1991، كتطور لعملية التكامل الأوروبي التي ابتدأت منذ عام 1948 بما كان يٌعرف باسم دول البنولوكس (Benelux) كاتفاقية اتحاد جمركي بين بلجيكا, ولوكسمبورغ, وهولندا، تبعها إنشاء الجماعة الأوروبية للفحم والصلب (ECSC) في عام 1951 بين هذه الدول والمانيا, وفرنسا, وايطاليا, وفي عام 1957 جاءت الخطوة الحقيقية الثالثة نحو التكامل الأوروبي بانشاء الجماعة الاقتصادية الأوروبية (EEC) والجماعة الأوروبية للطاقة النووية (EAEC) في نفس العام. ومنذ عام 1967 تعمل هذه المجموعات تحت اشراف ما بات يعرف باسم الجماعة الأوروبية (EC) كجهاز سياسي يشرف على اتخاذ القرارات الاقتصادية لهذه الجماعات, تلك العملية التي نمت وتطورت في عملية التكامل الأوروبي مما اصبح يعرف اليوم بالاتحاد الأوروبي (EU) والذي يتكون من 28 دولة.منذ أربعين عاماً (في عام 1975) صوت الشعب البريطاني, في استفتاء عام, بأغلبية الثلثين لمصلحة البقاء فيما كان يسمى بالجماعة الأوروبية آنذاك, ولأول مرة منذ ذلك العام أصبحت فكرة خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي احتمالا قائماً وتحدياً عميقاً لعملية الاندماج الأوروبي. فقد أوضح آخر استطلاع للرأي في أيلول 2015، أن أغلبية البريطانيين (51%) ولأول مرة يفضلون الخروج من الاتحاد الأوروبي مقابل (49%) يفضلون البقاء في الاتحاد الأوروبي. وقد كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون اكد على استعداد حزبه - حزب المحافظين - تقديم موعد الاستفتاء على بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى أيار 2016 بدلاً من نهاية عام 2017, اذا لم يتوصل إلى اتفاق مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي يضمن تحقيق مصالح بريطاني. فلماذا تريد بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي؟ هناك مجموعة من الأسباب قد تدفع ببريطانيا نحو اتخاذ مثل ذلك القرار هي:1 - تخوفها من سيطرة دول منطقة اليورو الـ (19) على مجريات اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي، إذ يؤكد الخبراء على أن الاتحاد النقدي الذي رفضت بريطانيا الدخول فيه,اصبح محور اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي, وأصبحت جميع القرارات تتطلب تفاوضاً من قبل أعضائه في البداية, ثم يتم عرضها بعد اتفاق الأعضاء في منطقة اليورو على دول الاتحاد الأوروبي مجتمعه.2 - سبب رئيسي آخر, هو الهجرة, تلك المشكلة الأكبر التي تواجه المجتمع البريطاني, فبريطانيا ترى أن قوانين الاتحاد الأوروبي هي السبب في تدفق المهاجرين إليها, هؤلاء الذين أثروا على مستوى المعيشة والنسيج الاجتماعي, وهم يشكلون عبئاً مادياً على الخدمات العامة كالتعليم والصحة لتبلغ قيمته (3,67) مليار جنيه إسترليني سنوياً. وقد طالبت بريطانيا بوضع آليه للتحكم في حركة المهاجرين الوافدين إليها من بلدان أوروبا إلا أن مطالبها لم تٌنفذ.3 - مخاوف بريطانيا فيما يتعلق بسيادتها من خلال إعطائها حق الخروج من الالتزام الأوروبي التاريخي بتدشين (اتحاد أوروبي أعمق)، فبريطانيا لا تريد أن توقف سعي الدول الأوروبية الأخرى نحو هذا الهدف, ولكنها تريد حق الخروج, لأن محكمة العدل الأوروبية كانت قد استخدمت هذ المبدأ في دفع مزيد من الإجراءات التكاملية على غير رغبة بريطانيا.4 - رغبة بريطانيا في إعطاء البرلمانات الوطنية الحق في التجمع معاً بهدف رفض أي تشريع يصدر على المستوى الأوربي يتعارض مع مصالح الدول القومية.في حال قرر الشعب البريطاني التصويت لمصلحة خروج بريطاني من الاتحاد الأوروبي, تظل احتمالات التوصل, من خلال المفاوضات الجديدة إلى روابط بين بريطانيا كدولة غير عضو, والاتحاد الأوروبي, ممكنة, وهناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة.يتمثل السيناريو الأول فيما يعرف بالنموذج النرويجي: وهو أن تترك بريطانيا الاتحاد الأوروبي وتنضم إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية, وهو ما يعطيها حق الدخول إلى السوق الأوروبية الموحدة مع إمكانية الدخول إلى بعض الخدمات المالية, ولكن مع تحريرها من قواعد الاتحاد الأوروبي الخاصة بالزراعة, ومسائل العدالة, والشؤون الداخلية.بينما يتمثل السيناريو الثاني فيما يعرف بالنموذج السويسري: وهو أن تقلد بريطانيا سويسرا, التي ليست دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي, ولكنها تتفاوض معه على اتفاقيات تجارية على أساس قطاع بقطاع من خلال اتفاقيات ثنائية متعددة.في حين يعرف السيناريو الثالث والأخير بالنموذج التركي: وذلك بأن تبرم بريطانيا اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي, بحيث يتم إعفاء بريطانيا من حرية حركة المواطنين ولكن في المقابل سيفقد البريطانيون حقهم في الحركة داخل الاتحاد الأوروبي, وتصبح ترتيبات وجود نحو مليوني مواطن بريطاني يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي غير معلومة وغير محددة.وعلى أهمية ما سبق من سيناريوهات فأنه لابد من التوافق على إحداث تغييرات سياسية في الاتحاد الأوروبي تتوافق مع التفضيلات البريطانية خاصة فيما يتعلق بقواعد الرفاهية الاجتماعية الخاصة بالعمال المهاجرين والسماح للبرلمانات الوطنية بالعمل على تحدي مقترحات ومشروعات القوانين الصادرة من المفوضية الأوروبية. فقد عرض رئيس مجلس أوروبا - هو مجلس استشاري أنشىء في 1949 لمناقشة القضايا الأوربية والعالمية - دونالد توسك مقترحات مهمة على أمل إبقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي, من بينها الإعانات الاجتماعية للعمال المهاجرين لمدة اربع سنوات, وتأمين حمايه للدولة التي ليست ضمن مجموعة اليورو, وقد جاء ذلك قبل قمة حاسمة ستعقد يومي (18) و(19) من الشهر الحالي, تسعى الدول الأعضاء في الاتحاد من خلالها للتوصل إلى اتفاق شامل.