من مذكرات الانجليزي جون (عبدالله) فيلبي ضمن كتابه (حاج في الجزيرة العربية) حينما كان ملازما للملك عبدالعزيز أواخر العشرينات وبداية الثلاثينات الميلادية. بداية ذلك الصيف بعد رحلات الصيد العديدة التي كما قال عنها, كانت تحدث في برد التيه في بنبان والسلي ليحل محلها روتين الحياة اليومية بالنسبة لهم كحاشية وهو يشير إلى انهم اول ما يعودون بطبيعة الحال إلى الالتزام الصارم بصلاة الجماعة فبعد الساعة الثالثة صباحا بقليل, وعند ظهور أضعف شيء مما يشبه الضوء في الأفق الشرقي يوقظون لوضوء مستعجل واندفاع للمصلى الخاص بالملك عبد العزيز طيب الله ثراه الذي يقع فوق المسجد الصغير في مباني القصر والمكون من قسمين أحدهما شتوي مسقوف والآخر مكشوف لأيام الصيف وهنا يؤدون ركعتي السنة في انتظار وصول الملك والذي ما أن يدخل حتى يندفع أحد رجال الحاشية إلى النافذة المطلة داخل المسجد صائحا للمؤذن (أقم) مشيرا إلى انهم بعد انقضاء صلاة الفجر يسبح المصلون بالمسبحة ويتحاشون أي سنة بعدها حتى لا تتداخل مع وقت النهي. وبعد الصلاة يعود كل واحد أو كل واحد بلا استثناء للنوم. وفي السابعة إلى السابعة والنصف صباحا يبدأ الملك استقبال الزوار وأصحاب الحاجات من خلال أربع غرف منفصلة, واحدة بعد الأخرى إذ يتم الاستقبال الأول في مكتبه نفسه, وهي الغرفة التي تعرف من خلالها الكاتب على الملك ووالده لأول مرة عام 1917م وذلك لتصريف الأمور مع كتبته وسكرتاريته وللقاء الزوار الخاصين. بعد ذلك ينتقل إلى المجلس المجاور لها. وهو غرفة واسعة, يقوم سقفها على ستة أعمدة, مبطنين بقماش, حيث يكون الزوار جالسين. وعادة ما يستغرق هذا الاستقبال وقتا قصيرا. فإن كان هناك من يستحق مقابلة خاصة, فإنها تكون في الغرفة المجاورة, وهي مجاورة لمكتب يوسف ياسين نفسه. حيث يكون الاستقبال الأخير والأخص, وهناك يأتي الأمير سعود ولي العهد وغيره من أعضاء الأسرة المالكة, وآخرون مثل خالد الطبيب الخاص للملك والمؤلف وأي أشخاص آخرين منحوا شرف الدخول الخاص. وحين ينتهي عمل اليوم نحو العاشرة صباحا, أو بعد ذلك بقليل يعود الملك لقصر البديعة وحديقته, حيث الجناح المفضل لأهل بيته, وهناك يبقى إلى نحو الساعة السابعة مساء حين يعود للرياض بالسيارة للمبيت فيها, إذ كان يفضل غفر الله له بيت زوجته أم منصور الذي يعتبره الركن الأساسي والاهم الذي يعيش فيه بصفة دائمة ويتناول فيه كل وجباته مع الأسرة, أبناء هذا القسم من البيت كانوا منصور وبندر ومشعل وطلال ( رضيع عمره سنة واحدة) والذي سمي على شقيق له, كان قد توفي بالطائف قبل عام, وكانت أم منصور غفر الله لها ( توفيت عام 1938م ) لها منزلة خاصة لدى الملك ولما يزيد على عشر سنوات كما كان هناك في القسم زوجة ثانية هي أم بندر وثالثة أم طلال وكان لكل زوجاته الأخريات جناحها الخاص في الرياض .
وبعد صلاة العصر يقول الكاتب بأنهم ويوسف يس وآخرون يذهبون بالسيارة إلى الباطن لينضموا إلى مجموعة الملك حيث يقدم الغداء ويقضوا بقية الوقت بالجلوس والتآنس عادة في أشياء غير مهمة أو الخروج للتنزه لفترة قصيرة في بساتين النخيل أو أرجاء الوادي, بينما يخلد الملك إلى الراحة مع أهله, حتى حلول صلاة المغرب يعودون بعدها إلى المدينة بسيارة الملك "الهدسون" عادة ما يكونون نحو أحد عشر شخصا داخل السيارة وأحيانا عشرة أو تسعة مما يتطلب ركوب بعضهم في مؤخرة (صندوق السيارة) ويقضون الرحلة وقوفا مما يسبب لهم الإجهاد والتعب وهو الأمر الذي كان يعترض عليه الملك دائما ويطلب منهم الركوب معه في المقاعد الخلفية ذات الوسائد المريحة حتى وان ضاق بهم المكان تحت قناعة إن المسلم غير ملزم بتحمل مشقة يمكنه تلافيها.
وحال وصولهم القصر يذهب الملك إلى غرفه الخاصة, بينما يذهبون إلى مكانهم المخصص لهم ليلا في السطح, ونحو الثامنة مساء يهبطون لأداء صلاة العشاء في المصلى الخاص يؤدون صلاة العشاء ثم الشفع والوتر بعدها يجتمعون في فناء ليس بالفسيح في الدور نفسه نحو نصف ساعة يستمعون إلى درس في الحديث والعقيدة والتفاسير يلقيه شاب له صوت جميل ورتيب, ولكنه عموما له تأثير قوي, وتكون المجموعة لهذه القراءة غير كبيرة في العادة, ويجلس الجميع على كنبات خشبية عالية منجدة بخيوط قديمة من القطن, وتمر القهوة في فترات, ويختم الملك كل جزء من القراءة بقوله: بارك الله فيك, وبعد انتهاء القراءة بقليل ينهض الملك وينفض المجلس. وأحيانا يصرف الملك المجلس بطريقة مهذبة, ويظل جالسا يصرف أي عمل له مع يوسف يس أو الشيخ عبد الله العنقري, الشيخ الضرير الذي كان معهم آنذاك ويحضر جلسات القراءة بانتظام.
ويختم فيلبي وصفه للوجبة الرئيسية في القصر قائلا: وكيفما كانت ملاحظة المرء, فإن الوجبة الوحيدة المنتظمة في اليوم كانت العشاء في قصر البديعة وفي وقت متأخر من العصر. وفي الصباح الباكر يقدم إفطار خفيف من الخبز والعسل والتمر واللبن الرائب, وبعد صلاة الظهر يقدم التمر واللبن الرائب أيضا. ويمكن للمرء أن يطلب أرزا ولحما أيضا, وإن كان ذلك مما يقدم للموظفين والخدم, وفي المساء قبيل النوم يشرب كل واحد منا طاسة كبيرة من حليب النوق وبصفة عامة فإن نظام الأكل في القصر كان مناسبا تماما خصوصا لفصل الصيف.( شبيه من حيث الوقت أو قريب من برنامج الأكل عند الأوربيين الذي يعتمد غالبا على وجبة الإفطار والوجبة الرئيسية الأخرى الغداء متأخرا. )..