كتبه/ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني
-------------------------------
حديث: "من قال حين يُصبح: اللهم إني أصبحتُ أُشْهِدكَ، وأُشْهِد حملة عرشك، وملائكتك، وجميع خَلْقك: أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدًا عبدُك ورسولُك؛ أعتق الله ربعه ذلك اليوم من النار، فإن قالها أربع مرات؛ أعتقه الله ذلك اليوم من النار".
لقد جاء هذا الحديث ونحوه مطولاً ومختصرًا من حديث جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورضي الله عنهم جميعًا- وهم: أنس بن مالك، وسلمان الفارسي، وأبو سعيد، وعائشة.
أولا: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه- وقد جاء من طريقين:
الأولى: من طريق بقية بن الوليد حدثني مسلم بن زياد مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- .... فذكره.
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" برقم (1201) عن إسحاق بن راهوية عن بقية عن مسلم بن زياد به، أي بعنعنة بقية، وأخرجه النسائي في "الكبرى" (6/6/برقم 9837) عن إسحاق بتصريح بقية بالسماع، وكذا في "عمل اليوم والليلة" برقم (9) وكذا ابن السني في "عمل اليوم والليلة" برقم (70) وأخرجه البغوي في "شرح السنة" (5/110/برقم 1323) من طريق يزيد بن عبد ربه عن بقية عن مسلم بن زياد به، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (58/97) من طريق لُوَيْن، وهو محمد بن سليمان بن حبيب عن بقية أخبرني مسلم بن زياد به، وفي (58/97) رواية أخرى من طريق محمد بن عمرو بن حنان عن بقية عن مسلم بن زياد به، وأخرجه الضياء المقدسي في "المختارة" (7/210/2649) من طريق لوين عن بقية أخبرني مسلم بن زياد به، وبرقم (2650) من طريق إسحاق أخبرنا بقية حدثني مسلم بن زياد به، وأخرجه الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/376) من طريق لوين عن بقية حدثنا مسلم بن زياد، وفي لفظه مغايرة، وأخرجه جعفر الفريابي: حدثنا عمرو بن عثمان وعبد الرحيم بن حبيب، قالا: حدثنا بقية عن مسلم بن زياد به، ذكره الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/377)
وبهذا التقرير يظهر أن العلة الوحيدة في هذه الطريق: هي عنعنة بقية، وهي من العلل التي لا تمنع من تقويتها بطريق أخرى مثلها أو نحوها في الضعْف، والله أعلم.
ولو سلمنا أيضًا بكون مسلم بن زياد مجهولاً؛ فهي علة ليست بشديدة ولا فاحشة، فلا يُدْفع هذا الطريق أيضًا عن صلاحية الاستشهاد به.
الطريق الثانية في حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه-:
من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن عبد الرحمن بن عبد المجيد السهمي عن هشام بن الغاز بن ربيعة عن مكحول عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من قال حين يصبح وحين يمسي ..."
لكن على أي حال فالحديث من هذه الطريق لا يُدْفَع عن درجة الاستشهاد به، وتقوية الطريق الأولى التي ليس فيها إلا تدليس بقية به، والله أعلم.
-------------------------------------------------
ثانيًا: حديث سلمان – رضي الله عنه- وله طريقان:
الأولى: من طريق أحمد بن يحيى الصوفي أخبرنا زيد بن الحُباب أخبرنا حميد مولى ابن علقمة عن عطاء عن أبي هريرة عن سلمان – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من قال: اللهم إني أُشْهِدك، وأُشْهِد ملائكتك، وحملة عرشك، وأُشْهِد من في السموات: أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدًا عبدك ورسولك، من قالها مرة؛ أُعتق ثلثه من النار، ومن قالها مرتين؛ أُعتق ثلثاه من النار، ومن قالها ثلاثًا أُعتق كله من النار" هكذا بدون ذكر الصباح والمساء.
الطريق الثانية من حديث سلمان – رضي الله عنه-:
أخرجها الطبراني في "الكبير" (6/220) برقم (6061) وفي "الدعاء" (2/برقم 299): حدثنا محمد بن راشد الأصبهاني ثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة عن سلمان به، وفيه: "والسموات ومن فيهن، والأرضين ومن فيهن" وكذا فيه: "وأُكفِّر مَنْ أَبَى ذلك من الأولين والآخرين" وهذا سند تالف؛ إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي متروك متهم، فلا يُفْرح بهذه المتابعة.
---------------------------
ثالثًا: حديث أبي سعيد – رضي الله عنه-:
أخرجه ابن أبي شيبة في "العرش" برقم (36): ثنا عبد الله بن يحيى بن الربيع بن أبي راشد ثنا عمرو بن عطية عن أبيه عن أبي سعيد – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ما من عبدٍ يقول أربع مرات: اللهم إني أُشْهِدك، وكفى بك شهيدًا، وأُشْهِد حملة عرشك، وملائكتك، وجميع خلقك، وأنا أَشْهَد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدًا عبدك ورسولك؛ إلا كتب الله له فكاكًا من النار".
وقد أخرجه الطبراني في "الدعاء" (2/برقم 298): ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا أحمد بن طارق الوايشي ثنا عمرو بن عطية العوفي عن عطية - وهو العوفي- عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم به، بلفظ: "براءة من النار".
وهذا سند ضعيف من أجل عمرو بن عطية وأبيه عطية بن سعد العوفي، وأما تدليس عطية عن محمد بن السائب الكلبي، وتكنيته إياه بأبي سعيد؛ فهذا في التفسير فقط، وليس مطلقًا، كما فصَّلْتُه في غير هذا الموضع، والله أعلم.
فهذا الحديث يقوي حديث أنس، وفيه ذكر المرات الأربع، والفكاك أو البرآءة من النار، لكن ليس فيه ذكر الصباح والمساء، وفيه زيادة: "ومفى بك شهيدًا".
----------------------------
رابعًا: حديث عائشة - رضي الله عنها-:
من طريق ابن لهيعة ثني أبو جميل الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا أصبح يقول: "أصبحتُ يا رب أُشْهِدك، وأُشْهِد ملائكتك، وأنبياءك، ورسلك، وجميع خلقك، على شهادتي على نفسي: أني أَشْهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدًا عبدك ورسولك، وأومن بك، وأتوكل عليك" يقولها ثلاثًا.
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (9/141/برقم 9356) وأبو طاهر السلفي في "المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي" برقم (470) به.
وابن لهيعة مُضَعَّف من قِل حفظه، وشيخه مجهول، ومع ذلك فيشهد هذا الحديث ببعض جُمْله لبعض ما سبق، والله أعلم.
------------------------------------------------
خلاصة البحث: طرق هذا الحديث لا تسْلم كلها من ضعف؛ إلا أن أكثر طرقه ضَعْفُها خفيف، فمن ذلك:
1- حديث أنس: يُحتج به بمجموع طرقه، ففي بعضها عنعنة بقية، وفي بعضها راوٍ مختلف في اسم أبيه، وأسوأ أحواله أنه مجهول، واحتمال كونه أرفع من ذلك احتمال وارد، وفي بعضها من فيه لين ومجهول حال، وهذه الطرق وحدها تكفي في تقوية الحديث.
2- حديث سلمان: في إحدى طريقيه رجل مجهول، وفي ثواب من قال هذا الذكر عنده نوع مخالفة، لكنها لا تضر الثابت من حديث أنس، فنأخذ من حديث سلمان الذكر دون اعتماد ما رُوي في ثوابه، وعدد المرات التي يُقال فيها الذكر، فإنه رواه بثلاث مرات، وذِكْر الأربع في حديث أنس أرجح.
3- حديث أبي سعيد: فيه ضعيفان وعنعنة مدلس، وليس فيه ذِكْر الصباح والمساء.
4- حديث عائشة: فيه ضعيف ومجهول، وليس فيه ذِكر المساء، وفيه بعض الزيادات.
وهذه الروايات لا تنـزل عن درجة الحُسْن بمجموع طرقها، ولا يضرها الاختلاف في ألفاظ بعضها، لما سبق بيانه، والله أعلم.
والحديث قد جوده الإمام النووي في "الأذكار" وحسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" وغيرهما، وقد ضعفه شيخنا الألباني – رحمه الله- في "الضعيفة" برقم (1041) وكذا في "الصحيحة" برقم (2679).
وأسأل الله أن يجعل عملي صالحًا، ولوجهه الكريم خالصًا، إنه جواد كريم، بر رحيم.
---------------------------------
كتبه/ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني