المقصود بالعزلة : إنفراد القلب بالله
والمقصود بالخلوة : انفراد القالب عن الناس
ولا ينفرد القلب في الغالب إلا إذا انفرد القالب
واعلم أن في الخلوة عشرة فوائد ( نذكرها باختصار )
الفائدة الأولى : السلامة من آفات اللسان , فإن من كان وحده لا يجد من يتكلم معه .
الفائدة الثانية : حفظ البصر والسلامة من آفات النظر , فمن كثرت لحظاته دامت حسراته .
الفائدة الثالثة : حفظ القلب وصونه عن الرياء والمداهنة وغيرهما من الأمراض .
الفائدة الرابعة : حصول الزهد في الدنيا والقناعة منها , وفي ذلك شرف العبد وكماله .
روي عن عيسى عليه السلام أنه قال : " لاتجالسوا الموتى فتموت قلوبكم , قالوا من الموتى يا روح الله ؟ قال : المحبون للدنيا الراغبون فيها "
الفائدة الخامسة : السلامة من صحبة الأشرار ومخالطة الأرذال , ففي مخالطتهم فساد عظيم وخطر جسيم .
قال بعضهم : " والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح "
الفائدة السادسة : التفرغ للعبادة والذكر والعزم على التقوى والبر .
الفائدة السابعة : وجدان حلاوة الطاعات والتمكن من لذيذ المناجاة , وذلك لفراغ سره .
الفائدة الثامنة : راحة القلب والبدن .
الفائدة التاسعة : صيانة نفسه ودينه عن التعرض للشرور والخصومات التي توجبها الخلطة .
الفائدة العاشرة : التمكن من عبادة التفكر والأعتبار , وهو المقصود الأعظم من الخلوة .
وفي الخبر " تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة "
وقد يقال أن في مخالطة الناس والسعي في خدمتهم ما فيه من الثواب العظيم , ولكن قد يفوته ما هو أعظم وأهم وهو جمع القلب في حضرة الرب .
كذلك فإن للنفس تولعا وتسارعا للخوض في الخصومات والتعرض للشرور ومزاحمة أرباب الدنيا .
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه :
من يذق الدنيا فإني طعمتها = وسيق الي عذبها وعذابها
فلم أرها إلا غرورا وباطلا = كما لاح لي في ظهر الفلاة سرابها
وماهي إلا جيفة مستحيلة = عليها كلاب هممن اجتذابها
فإن تجتنبها عشت سلما لأهلها = وإن تجتذبها ناهشتك كلابها
فطوبى لنفس أوطان قعر بيتها = مغلقة الأبواب مرخي حجابها
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فهذه عزلة أهل البداية . وأما أهل النهاية فعزلتهم مصحوبة معهم ولو كانوا وسط الخلق لأنهم رضي الله عنهم أقوياء محجوبون بالجمع عن الفرق , وبالمعنى عن الحس , استوى عندهم الخلوة والخلطة , لأنهم يأخذون النصيب من كل شئ ولا يأخذ النصيب منهم شيئا .
فإن أضاف المريد الى العزلة الصمت والجوع والسهر , فقد كملت ولايته , وظهرت عنايته , وأشرقت عليه الأنوار وانمحت عن مرآة قلبه صور الأغيار .