يقول أحد الزملاء "كان راتبي قبل أكثر من 25 عاما لا يتجاوز الأربعة آلاف ريال في الشهر، وكنت ميسور الحال رغم الإيجار لدرجة أني لا أذكر أني استدنت من أي شخص، وكل طلبات أسرتي تتوافر، الآن تضاعف الراتب لأكثر من ثلاثة أضعاف وأشعر أني لست في بحبوبة من العيش، وراتبي لم يعد يغطي احتياجات أسرتي على الرغم من تملكي لمنزل".
الزميل يربط تلك المتغيرات التي طرأت على حياته طوال ربع القرن الماضي، وزيادة الصرف إلى متغيرات في الحياة، بل إنه زاد وحمل ما أسماه بـ "حمى المظاهر"حدوث تلك الأزمة المالية التي يعانيها وغالبية الأسر السعودية.
لفت انتباهي مفردة "حمى المظاهر"، التي أطلقها الزميل المتمرس في الحياة، لا شك أنه محق فأكثر الأسباب هزا لميزانية الأسر هي الضغوط الاجتماعية التي تسببت فيما وصفه بحمى المظاهر، فغالبية الإنفاق الأسري مع الأسف الشديد يصب في بند "المظاهر".
ليس النساء وحدهن المصابات بتلك الحمى، بل حتى الرجال مصابون بها، ويتفاخرون بالملبس والمركب، وأصبحت "الماركة"، غاية الجميع سواء الميسورين أو المعسرين، وأصبح الجميع ينفق جل مرتبه على تلك المظاهر.
"الماركات خديعة الأذكياء لسرقة مال الأثرياء فصدقها الفقراء.."، مقولة شهيرة لا أعلم من مطلقها ولكني مؤمن بها تماما، فـ "الماركات" وما يترتب عليها من بحث عن المظاهر، هي السارق الأول لجيوبنا، نتجاوب كثيرا مع الضغوط الاجتماعية ونلجأ إليها بحثا عن صور خادعة وكاذبة.
بدلا من "الولولة" والشكاوى من صعوبة الحياة علينا أن نغير من مفاهيمنا وأساليب العيش التي نتبعها، علينا أن نغير من الأفكار "المعششة" في رؤوسنا ورؤوس أفراد أسرنا، علينا أن نكرس لديهم "أن القناعة كنز لا يفنى"، وأن يكون كل أفراد الأسرة على قناعة بأنهم يأكلون ويشربون ويرتدون ويركبون ويعيشون لأنفسهم، وليس من أجل الآخرين وما يقولون، ومن هنا هم من يحددون احتياجاتهم ونفقاتهم وليس ما يطلبه الآخرون.
نحتاج إلى التنظيم في المصروفات وأن نتلافى العجز في ميزانيات الأسر كي نعيش في تلك الحياة في "بحبوحة" من العيش دون اللجوء للقروض أو "إراقة ماء الوجه" من خلال السلف، يجب أن نبتكر طرقا جديدة لحل أزماتنا المالية بالطبع ليس من بينها "الديون" كالتخلي عن بعض الكماليات وأن نقتصد من برامجنا الترفيهية، وألا ننجر للضغوط الاجتماعية، علينا أن نؤمن بمقولة "مد رجولك على قد لحافك" وأن نطبقها في حياتنا كي نعيش بسلام، ودون أن نردد في كل شهر مقولة.