من المعلومات شبه المؤكدة أن الحكومة بدأت تواجه مشاكل حقيقية فى تدبير مرتبات بعض الهيئات بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة. الجميع يعرف أن هناك مشكلة نقد أجنبى كبيرة فى مصر، لكن الجديد، أن هناك مشاكل فى تدبير بعض العملات الصعبة للاحتياجات الدبلوماسية الخارجية. كانت هناك مشكلة أيضا فى تدبير دولارات للبعثة المصرية التى سافرت إلى دورة الألعاب الأوليمبية فى ريو دى جانيرو بالبرازيل الشهر الماضى، وبعض وسائل الإعلام الكبرى قلصت سفر بعض صحفييها وإعلامييها لأنها لم تكن قادرة على تدبير هذه المبالغ لهم فى تغطية الدورة.
وسمعت معلومة لم أتأكد منها ــ خلاصتها أن بعض الهيئات المعروف عنها الغنى وكانت مقصدا ومطمعا لكل الخريجين ــ دبرت مرتبات موظفيها فى الفترة الأخيرة «بطلوع الروح».
وقبل أيام سمعت أحد المسئولين يقول إن ديون الشركة العامة وصلت إلى معدلات خطيرة وغير مسبوقة.
إذا استمرار الحال على ما هو عليه، من تاسع المستحيلات، والحل أن نبدأ فورا فى نقاشات جادة وشفافة وعلنية وعلمية حول كيفية الخروج من هذا المأزق، لانه ــ لا قدر الله ــ إذا لم نتمكن من حل المشكلة، فإن العواقب ستكون وخيمة، بصورة لا يتخيلها كثيرون.
بالطبع رد الحكومة الجاهز هو أنها تدرك كل ذلك، وهو الذى دفعها لبدء برنامج الإصلاح الاقتصادى الشامل. وتقول الحكومة أيضا إنها كانت ستبدأ فى برنامج الإصلاح حتى من دون اتفاق مع صندوق النقد الدولى بسبب خطورة الاوضاع.
قد تكون الحكومة محقة فى جزء كبير من هذا الأمر، لكن ستكون هناك مشكلة كبرى إذا اعتقدت أن الإجراءات التقشفية التى بدأت فى اتخاذها خلال الأسابيع الأخيرة ستكون كافية لحل المشكلة.
عندما تعجز مؤسسة أو هيئة حكومية عن دفع راوتب موظفيها، فأسوأ قرار هو فصل الموظفين أو تخفيض رواتبهم، قد يكون ذلك حلا، لكن المشكلة الحقيقية أن فلسفة الحكومة ــ التى جعلت بعض الهيئات والمؤسسات مخزنا لموظفى الواسطة والمجاملات والكوسة بكل أنواعها ــ لابد أن تتغير تماما، بل ويتم نسفها من جذورها.
نعرف جميعا أن الحكومة وكبار المسئولين ــ خصوصا خلال عهد حسنى مبارك ــ هم السبب الأساسى فيما وصلت إليه هيئات مثل اتحاد الإذاعة والتليفزيون ومصر للطيران ومصر للبترول وغيرها الكثير.
فى بعض هذه المؤسسات فإن العمالة الزائدة ربما تصل إلى ألف فى المائة، هناك المئات من مركز واحد فى المنوفية أو القليوبية يعملون فى إحدى هذه المؤسسات، لسبب بسيط أن مسئولا كبيرا حولها إلى مكان لمجاملاته السياسية والانتخابية قبل سنوات، لكن الذى دفع ثمن هذه المجاملات هو الشعب المصرى بأكمله وما يزال يدفع.
من دون وقف هذه الفلسفة فلن يكون هناك أمل فى الإصلاح، بل إن كل مليارات صندوق النقد والبنك الدولى وقروض ومساعدات ومنح وتسهيلات الأصدقاء والأشقاء ستدخل بالوعة هذا الفساد المقنن.الإصلاح عملية مهمة، وصعبة، لكن المهم أن ننفذها بصورة صحيحة. وما لم تدرك الحكومة أنها ينبغى أن تتقشف هى اولا وتوقف الفساد والإهمال واللامبالاة داخلها فلن يكون هناك أى نتيجة للإصلاح مع بالغ الأسف الشديد.