«الخرفنة».. احتيال أنـثوي يستهدف جيوب الرجـــــــــــــال.. مقابل وعود وهمية
أحمد السالم - المدينة المنورة
السبت 03/12/2016
«الخرفنة».. احتيال أنـثوي يستهدف جيوب الرجـــــــــــــال.. مقابل وعود وهمية
ما زالت ظاهرة «الخرفنة»، التي بدأت في الانتشار عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تنذر بعواقب وخيمة تمثل جريمة ابتزاز أو احتيال عاطفي بلا عقاب حتى الآن، بالإضافة إلى عواقبها الاجتماعية الخطيرة.
و»الخرفنة» هي طريقة تستخدمها بعض الفتيات الطائشات عبر وسائل التواصل للحصول على المال والهدايا من شبان أو مسنين، بعد أن تستدرجهم «كالخرفان»، من أجل إشباع رغباتهم العاطفية، وبعد أن تحصل الفتاة على مبتغاها من فريستها، تختفي دون أن تحقق له ما يريد.
وبحسب عدد من رجال القانون فإن العقوبات التي ينص عليها نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية لا تتضمن معاقبة من تمارس «الخرفنة» لعدم وجود جريمة بهذا الاسم، ولكن توجد جرائم أخرى من الممكن أن تندرج تحتها، وهي جريمة الاستغلال والابتزاز.
ووفقا للدراسات الحديثة فإن 22% من مواقع التواصل الاجتماعي مثل والفيس بوك، والبرامج الأخرى، ساهمت وبشكل كبير في تنامي ظاهرة الاحتيال العاطفي هذه في أوساط الفتيات، وأزالت الكثير من العقبات التي كانت تعترض سلوكهن سابقا، حيث أكدت الدراسة أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت اليوم بيئة مناسبة لاستدراج المراهقين وكبار السن في وقت قياسي، خاصة مع سرعة استجابة هذا الطرف كصيد سهل.
«المدينة» رصدت القضية عبر أطرافها المختلفة، وحاولت طرحها للنقاش، من أجل البحث عن علاج لتلك الظاهرة السلبية.
فتيات: ردة فعل طبيعية لمحاولات «الاستنعاج»
تحدث عدد من الفتيات عن هذه الظاهرة، التي تحولت إلى تجارة رابحة لبعضهن، فتقول (م.س) إنها لاحظت إقبال الرجال من مختلف الأعمار والطبقات على بناء علاقات مع فتيات من مناطق مختلفة خاصة في ظل مجتمعنا، الذي يتسم بالمحافظة الاجتماعية الشديدة، بحيث يحظر على الفتيات التحرك خارج نطاق الأسرة وهو ما جعل الفتاة في بلادنا مرغوبة جدا وبالذات ممن هم خارج الوطن، وكثيرات منهن يتعرضن للاحتيال من هؤلاء، أي يحاول هؤلاء الرجال «استنعاج» الفتيات والتلاعب بهن عاطفيا، وهو ما يؤدي لردة فعل معاكسة لتبرير «خرفنة» هؤلاء والاحتيال العاطفي عليهم، وتحويل ذلك إلى فرصة لتحقيق مكاسب لبعض الفتيات.
وقالت إحدى الفتيات، التي فضلت عدم ذكر اسمها، إنها لا تجد حرجا في الحديث عن تجربتها الخاصة مشيرة إلى أنها لا تتوانى عن استغلال كل رجل تستطيع ابتزازه، فتقول: أشعر أن عصر قهر الرجال قد بدأ بعد طول احتقار للمرأة ونهب حقوقها، وتبرر موقفها بأن العديد من المراهقين الذين عاصرتهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي لم يتورعوا عن تنفيذ طلباتي من مبالغ مالية أو هدايا ذات قيمة، وتضيف أنها تعرف صديقات يستمتعن باستنزاف الرجال عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل والفيس بوك. وعن الأسباب التي أدت إلى احتيالهن العاطفي على الرجال تبرر ذلك بأنه ردة فعل معاكسة لما تتعرض له بعض صديقاتها، إذ يتعرضن هن أيضا لاستنزاف عاطفي ومالي من الرجال المقربين لهن، فيبحثن بدورهن عن ضحايا خارج أسوارهن، خاصة أن ضحايا «الخرفنة» من الرجال المستعدين للدفع بطبيعتهم.
رجل الكاش
وتقول فتاة أخرى: إن بعض الفتيات لا يرتدعن بعد الزواج فتضع بعضهن خططا لاصطياد «رجل الكاش» وهو الذي يحمل سمات الثراء والقدرة على دفع مال لا يستطيع الزوج تقديمه، وبمجرد مطالبة الطرف الآخر بالمقابل تلغي شريحة الهاتف وتنهي العلاقة.
فيما اعترفت إحدى الموظفات (ن.ح) بالقول إنها تعمل بوظيفة مرموقة وبراتب جيد إلا أنها لا ترفض أي شيء يمكن الحصول عليه من الرجل، وقالت أعرف صديقات ممن يفعلن ذلك سواء بدافع الحاجة أو لمجرد الرغبة بالحصول على هدايا وأموال سهلة، بدون أن يقدمن مقابلا يذكر عدا المكالمات الهاتفية وخلق أجواء من البهجة والمرح وقطع الوعود الكاذبة، التي يحلق معها الرجل في عالم الخيال.
وفي تجربة أخرى تحدثت أم فراس عن وجود رجال كبار في السن يدفعون مبالغ طائلة وهدايا لفتيات صغيرات، مقابل فقط أن يقمن بتسجيل صوتي لهم ونشره في حسابهم بمواقع التواصل الاجتماعي، تتظاهر خلالها الفتاة بأنها مغرمة وعاشقة لهذا الرجل، وهو يريد ذلك للمفاخرة أمام المتابعين بأنه رجل مرغوب من الفتيات، على أن تكون قبل التسجيل الصوتي استلمت المبلغ المتفق عليه.. وتلفت إلى أنها خاضت التجربة عدة مرات حصلت من خلالها مبالغ طائلة، يصل فيها التسجيل الصوتي الواحد إلى ألف ريال.
شباب: «خرفنتنا» سهلة عبر كل الوسائل التقنية
وعلى الجانب الآخر قال أحد الشباب والبالغ من العمر 22 عاما إنه تعرض «للخرفنة» من قبل إحدى الفتيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأشار إلى أن الفتاة خلقت له بعض أجواء البهجة الكاذبة، وبعد أن دفع لها عدة كروت لشحن جوالها مقابل الحصول على رقم جوالها الخاص ليتفاجأ بعد الدفع بإغلاق حسابها عبر موقعها، وعن أساليب التعارف بين الشاب والفتيات، قال: كل الوسائل متاحة وفي أي مكان تتحول إلى جسر بالتعارف، سواء كان ذلك بالطرق التقليدية أو التقنية، مؤكدا أن كثيرا من الشباب يعتبر صيدا سهلا للخرفنة، فبمجرد أن تستدرجه أي فتاة للحديث يسترسل معها حتى يكتشف أنها تخرفنه.
ويشارك صديقه البالغ من العمر 32 عاما أنه تعرض للاحتيال بعد أن تعرف على فتاة عبر أحد برامج الدردشة من أجل التسلية والمرح، وبعد مرور عدة أسابيع من التعارف طلبت منه أن يلتقي بها لتزوده برقم هاتفها الخاص، ويقول: بعد تواصلي معها أشارت لي بأنها محتاجة مبلغا ماليا قبل أن تلتقي بي من أجل شراء بعض الملابس.. ويضيف: ما زادني ثقة بأنني لن أتعرض للاحتيال هو تزويدي برقم هاتفها، وقد بادرت بعد أن تم إرسال حسابها في أحد المصارف البنكية، وتم تحويل لها مبلغ مالي 500 ريال، وبعد اتصالي بها بعد تحويلي للمبلغ تفاجأت بالجوال مغلقا، وبعد تكرار الاتصال دون فائدة، تأكدت أنها «خرفنتني»، وإني تعرضت للاحتيال.
مستشار أسري: الممارسات الخاطئة تبدأ بالتسلية وتنتهي بالإدمان
قال عبدالسلام عيسى الأحمدي، المستشار الأسري بجمعية التنمية الأسرية بالمدينة إن عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ارتفع بشكل ملحوظ، ولذلك شقان إيجابي وسلبي، فهناك الكثير من الإيجابيات التي من الممكن مشاهدتها لهذه المواقع.
أما إذا تحدثنا عن الاستخدام السلبي فإننا نجد أنفسنا أمام مواقع مشبوهة وأخرى غير واضحة المعالم، وهذا ما يقع فيه الكثيرون من مرتادي مواقع التواصل، فهو يبدأ بمواقع عادية ثم تتحول إلى تواصل سيئ.. وعندما نتحدث عن التحول الخطير في القيم والمشاعر والعوطف سواء من أجل المال أو غيره، نجد أننا أمام فئات يتواصلون بغرض المشاهدة والمتعة، وبعد ذلك يتحول إلى إدمان وشعور بعدم القدرة عن الاستغناء عن هذا السلوك، وقد يجد المتواصل من يغريه من الذكور أو الإناث سواء عن طريق المال أو الشهوات أو الشبهات، فيمارس بداية عن طريق الفضول وقضاء وقت الفراغ، ثم يتحول إلى استمتاع وإشباع شهوات، كما أننا نجد فئات أخرى تمارس الاستغلال من خلال ممارسات شاذة في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة إذا استطاع المتواصل الحصول على تسجيل صوتي أو مرئي أو مكتوب للطرف الآخر، والذي من الممكن أن يصبح ضحية لهذا الاستغلال بما تم تسجيله عليه من صور أو مقاطع مختلفة، فقد يلجأ هنا الشخص المستغل سواء من الذكور أو الإناث إلى تهديد الضحية والحصول على المال أو المتعة أو أي عائد آخر.
فهنا نلاحظ أن المستخدم بداية كان الأمر عاديا بالنسبة له، مثل الفضول، ثم بعد وقوعه في المصيدة يصبح تحت التهديد فهو قد يستجيب، وبعضهم قد يلجأ لجهات معنية تحميه من الاستغلال.
رأي شرعي: العلاقات يجب أن تحكمها الآداب الإسلامية وترك ما يخالف الدين
يقول الدكتور بدر الظفيري، عميد كلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: من المخاطر الكبيرة المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي ونحوها، أن أغلب مستخدمي هذا النوع هم من جيل الشباب والمراهقين، حيث تمكن هذه الشبكات خدمة التواصل والتبادل والنشر على نطاق واسع، وأي علاقة بين شخص وآخر يجب وينبغي أن تحكمها الآداب الإسلامية الرفيعة ووجوب الابتعاد عن كل الصور، التي تنافي تعاليم الإسلام، ولابد من الاهتمام وبذل الجهد في توعية الشباب وهم شباب المستقبل، وعلى الأسرة بشكل خاص متابعة حسابات أبنائهم في شبكات التواصل ومعرفة ما ينشرون فيها ويرشدونهم إلى توخي الحذر الشديد في استخدام شبكات التواصل وألا تشغلهم هذه الشبكات عن الدور الواجب في تعزيز العلاقات الاجتماعية والأسرية الطبيعية، فمن الضروري نشر الوعي بأهمية التماسك الأسري والمجتمعي النافع وألا تكون الوسائل هذه بدلا عنها كما يجب زرع وتقوية الرقابة الدينية والمسؤولية الدينية والخوف من رب العالمين وعدم السعي وراء الملهيات الفانية، وتذكر أن ما عند الله خير وأبقى.
أخصائية نفسية: مسببات بيئية وأسباب نفسية وراء الظاهرة
أوضحت الأخصائية النفسية نجود قاسم الأسباب، التي أدت إلى هذا السلوك، فتقول: لا يستطيع الابتزاز العاطفي أن يمد شباكه دون مد يد العون له وتشجيعه، لأن الابتزاز يتطلب طرفين، وإذا لم يطلب الطرف الأول ويقبل الطرف الآخر لما نشأ الابتزاز.. وأشارت إلى أن الأسباب والدوافع كثيرة، فهناك مسببات بيئية وأسباب نفسية وأخرى ثقافية وتعليمية.. وقالت إن ظهور التقنيات والبرامج ودخولها بشكل متنوع دون أي توعية بكيفية استخداماتها واستغلالها بشكل سليم، حيث أصبحت في متناول الجميع، وقد ساعدت ضعاف النفوس إلى استغلال الفتيات لتحقيق أهدافهم، وأكثر أشكال الاستغلال على وسائل التواصل الاجتماعي يكون باستغلال الصور أو مقاطع مصورة أو صوت وغيره، وخاصة في ظل غياب الرقابة من الأسرة وضعف سبل مكافحة المبتزين.. وأكدت نجود أن تدني وعي الفتاة بسبل حماية نفسها والحفاظ عليها وتدني مستوى تقدير الذات لديها يجعلها تلجأ لطرق قد تجد منها حسب وعيها اكتفاءً عاطفيا أو ماديا أو تغطي النقص لديها. وقد تكون الفتاة أدركت المخاطر، التي أوقعت فيها ذاتها، لكن عدم علمها بسبل التغيير وطرق وقف ذلك الابتزاز وعدم رغبتها في علم أي شخص بما يجري لها توقعها في شباك الابتزاز أكثر فأكثر، بالإضافة إلى تفكك الأسرة وكثرة الصراعات في الجو الأسري وضعف ثقافة الشباب والفتيات بتجارب الآخرين.
وقالت: إن بعض البرامج التي تطرح في الإعلام تساعد على تأجيج المشاعر لدى الفتيات والشباب، لكن لا يكون ذلك ذا أثر إلا إذا ضعف الإنسان واستسلم دون تفكير.
ومن أهم مسببات الابتزاز، والذي يجعل المبتز يصل لأهدافه هو تعري الطرف الآخر من جميع المفاتيح والمداخل، التي تشكل نقاط ضعف عنده فيستغلها الطرف الأول من ضعاف النفوس، ويمارس الضغط من خلال هذه المداخل.. ومن هنا نجد أن الضحية دائما ما تشعر بالذنب وتفقد الثقة في ذاتها وفي الآخرين، لذلك أقول لن يتغير شيئا في حياتنا ما لم نغير سلوكنا، ولابد أن نتخذ أسلوبا مغايرا جديدا سليما يصحح مسارنا بقوة، وعدم الرجوع لهذا الخطأ مرة أخرى.
قانوني: «الخرفنة» تنقسم بين جريمتي الاستغلال والابتزاز
وعلق المحامي الدكتور مساعد الجبيري على هذه الظاهرة غير الأخلاقية قائلا: إنه طبقا للمنظور القانوني لهذه الجريمة فيجب التفريق بين حالتين حتى يتم تحديد الجزء والأثر القانوني الناتج عنها، الحالة الأولى هي قيام امرأة باستدراج رجل عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والتأثير عليه جنسيا وعاطفيا، وذلك بعرض نفسها عليه بكل الطرق غير الأخلاقية ثم تقوم بطلب مقابل مادي يتمثل في أي صورة من الصور مثل تحويل مبلغ مالي لها عن طريق حسابه البنكي أو تحويل رصيد شحن للمكالمات التليفونية أو أي مقابل مادي آخر، وهذه الحالة يتحقق بها وصف الاستغلال المادي والتربح عن طريق القيام بأعمال غير مشروعة ومنافية للنظام والآداب العامة، والحالة الثانية وهي أن يستطيع طرف من أطراف العلاقة المشبوهة التمكن من ابتزاز الطرف الآخر عن طريق حصوله على صور أو تسجيلات صوتية له ويهدده بافتضاح أمره ونشرها على أحد المواقع أو وسائل التواصل الاجتماعي إذا لم يقم بدفع مبالغ مالية له والفرق بين الحالتين يتمثل أن الحالة الأولى هي تربح من عمل غير مشروع والثانية هي التربح عن طريق الابتزاز والتهديد، وبالنظر إلى الأنظمة والتشريعات الجزائية السعودية، التي من الممكن أن تطبق قواعدها وأحكامها على هذه الجريمة نجد أن نظام مكافحة غسيل الأموال قد تناول في بعض أحكامه تجريم استخدام أو تلقى أي أموال نتجت عن مصادر أو أعمال غير مشروعة، وتصل عقوبتها إلى السجن لمدة عشرة سنوات.
أما بالنسبة لحالة الاستغلال والتربح بالاقتران مع الابتزاز عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي نجد أننا في هذه الحالة بصدد أحكام نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، بالإضافة إلى إحكام نظام مكافحة غسيل الأموال بأن يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تزيد على خمسمئة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، الأمر الذي يتضح معه وجود أنظمة قانونية صارمة تعاقب مرتكبي هذه الجرائم.