قام الصحفي ستيف نيب من جريدة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية برحلة فريدة إلى كوريا الشمالية، وهي الزيارة الأولى له بعد انتظار سنوات عديدة، ووصف كيف كانت تلك الرحلة إلى ذلك البلد المصنف من دول (محور الشر)، والذي فيه كل شيء ممنوع.
ويقول في تقريره أنه كثيرًا ما تقدم بطلب تأشيرة دخول إلى البلاد، ولكن كانت السلطات ترفض طلبه بعد أن تأخذ منه 80 دولارًا في كل مرة، وفي النهاية تمكن من دخول البلاد عن طريق شركة هيونداي الكورية الجنوبية للسيارات، في رحلة إلى تلك البلاد المعزولة.
**
تمكنت الشركة من إحداث نقلة كبيرة في السياحة في تلك المنطقة التي تقع شمال المنطقة منزوعة السلاح في جبال الماس الكورية الشمالية الخلابة، وهي من ضمن المناطق القليلة في البلاد المفتوحة للزائرين، إضافة إلى العاصمة، ولكن بأعداد محدودة للغاية.
وقد زار المنطقة في العام الماضي 760 ألف سائح 99% منهم من الكوريين الجنوبيين، بالرغم من أن تلك المنطقة مليئة بحقول الألغام، ولكنهم جاؤوا بأموال وفيرة رحبت بها الحكومة الكورية الشمالية.
ويمكن لزائري المنطقة قضاء عدة أيام والتنزه داخل تلك المنطقة الجبلية الوعرة والاستمتاع بالمياه الساخنة في منتجعات المياه المعدنية، ولكن يجب عليهم أن يقرصوا أنفسهم ليصدقوا أنهم في كوريا الشمالية إحدى دول (محور الشر).
وقد صرح أحد مسئولي الشركة مازحًا بأن السفر إلى كوريا الشمالية يسمى (لا تفعل ذلك أيها السائح)، فكل شيء ممنوع بصرامة، سواء الهواتف المحمولة أو الحاسبات المحمولة أو وسائل التصوير الإليكترونية أو المناظير القوية.
ويجب أن يرتدي الزائرون بطاقات هوية مصورة طوال الوقت، كما أن التصوير ممنوع في المنطقة منزوعة السلاح وفي الشمال، كما يجب عليك عدم الإشارة باليد إلى أي مواطن من مواطني كوريا الشمالية، وفي حالة إذا ما تحدثت مع أي من مواطني كوريا الشمالية وهذا مستبعد تمامًا فيجب عليك تجنب أية عبارات سياسية.
**
خطورة الاسئلة
ومنذ عامين يقال ان امرأة من كوريا الجنوبية سألت أحد مواطني كوريا الشمالية: لماذا رئيسكم كيم جونج إل هو الرجل الوحيد السمين في البلاد؟ فكان الرد هو اعتقالها لعدة أيام.
ويقول كاتب التقرير انه وضع ذلك في ذهنه أثناء الزيارة، وانضم إلى مجموعة كبيرة من الكوريين الجنوبيين في الساعة الثامنة صباحًا في الشق الجنوبي من المنطقة منزوعة السلاح، وقاموا جميعًا بركوب 15 حافلة جديدة، للتوجه إلى كوريا الشمالية لأول مرة.
وقد كانت القافلة تمشي الهويني، ومرت بجوار سور من الأسلاك الشائكة يصل ارتفاعه إلى ثلاثة أمتار ونصف المتر، ثم فوق مجموعة من الكباري الصغيرة والمملوءة بالعديد من الأفخاخ الأسمنتية المملوءة بالعبوات الناسفة، وفي النهاية مرت الحافلات عبر الجنود الكوريين الجنوبيين المبتسمين الواقفين داخل نقاط حراسة وراء أكياس من الرمال.
وقد كانت هذه هي آخر ابتسامة شوهدت لمدة 3 أيام.
وفي إحدى المرات في الشق الكوري الشمالي، نزل الركاب من الحافلات ليتم فحص بطاقات الهوية على يد الجنود الكوريين الجنوبيين، الذين قاموا بأخذ الكاميرات الفوتوغرافية الحساسة، على أن يتم إرجاعها للزائرين في رحلة العودة إلى كوريا الجنوبية.
ويقول كاتب التقرير انه عندما عاد إلى الحافلة وجد اثنين من الجنود الكوريين الشماليين بوجوه صارمة على متن الحافلة، وكانت نحافتهم ملحوظة للغاية، كما تحولت ألوانهم إلى السواد بسبب حر الشمس، وساروا في الحافلة جيئة وذهابًا من الخلف إلى الأمام يحصون عدد الرؤوس، وطبقًا للقانون الكوري الشمالي يجب على كل ذكر أن يمضي في الجيش عشر سنوات كاملة، في حين أن النساء يمضين 7 سنوات فقط.
**
ممنوع التصوير
واستمرت القافلة في السير إلى الشمال عبر مناطق صخرية جافة تحاكي تلك التي تصورها أفلام رعاة البقر القديمة، ولكن أفلام هوليوود لم تُظهر رجالا كوريين شماليين مسلحين يقفون انتباهاً كل 50 مترًا، ميلاً بعد ميل، وكل جندي يحمل علمًا أحمر، وإذا ما قرر أحد الركاب أن يختلس النظر بكاميرته فوق نافذة الحافلة، فسوف يتم رفع علم أحمر، مما يعني إيقاف سير الحافلة.
وطوال الرحلة كان الجميع يتحركون مع بعضهم البعض في مجموعة ضمت 300 فرد، مثل رحلة مدرسية كبيرة، وقضى الزائرون يومًا ممتعًا في تسلق الصخور التي نحتت على شكل سلالم في الجبال، وكان وميض شروق الشمس ينعكس على الجداول الصافية المحفورة داخل الجبال.
ويقول الصحفي الامريكي انه في إحدى الليالي كان يستمتع مع الزائرين بمشاهدة السيرك الكوري الشمالي البديع، وكانت هناك فرقة سيمفونية كاملة في الشرفة، وكانت هناك امرأة روسية تجلس إلى جواره ويبدو أنه أصابتها نوبة شديدة من الحنين إلى الوطن، فقالت هامسة إليه: (إن هذه الموسيقى روسية صرفة سمعتها أثناء فترة صباي (ويبدو أنها ولدت في روسيا ولم تستطع الرجوع إليها).
وفي تلك الدولة يصل متوسط الراتب الشهري للفرد 47 دولارًا، وتحصل كوريا الشمالية على 50 دولاراً نظير كل أجنبي يزورها.
وربما يتساءل أصحاب المذاهب الأخلاقية عن الحكمة من إعطاء الأموال إلى نظام شمولي فظ مثل ذلك النظام، ولكن منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة قد وافقت على برنامج شركة هيونداي كوسيلة لتقليل الفقر في كوريا الشمالية.
ويقول كاتب التقرير انه عندما كان بداخل البلاد حاول يائسًا أن يتحدث إلى كوريين شماليين حقيقيين، ولكن ذهبت محاولاته ادراج الرياح وذلك للتعليمات الحكومية الصارمة التي تحرم أية وسيلة اتصال بين الكوريين الشماليين وبين الأجانب.
وفيما عدا بوابي الفنادق، فكان كافة الأطقم العاملة الذين تقابل معهم من الموظفين الذين تم استئجارهم من المجتمعات العرقية الكورية في الصين، ويتم إعادتهم إلى الصين مرة ثانية كل ثلاثة أشهر وإحضار غيرهم.
ويختتم كاتب التقرير بطرح تساؤل عما يفكر فيه أولئك الجنود الشبان النحفاء الذين يستقلون الحافلات كل يوم، عندما يلتقون وجهًا لوجه مع مئات الكوريين الجنوبيين، الذين تدل ابتساماتهم المضيئة ووجوههم المستديرة المملوءة بالحيوية وبملابسهم العصرية على كل معاني الرخاء والرفاهية.
ربما سوف يسألون أنفسهم يومًا ما: لماذا في كوريا الشمالية هناك رجل سمين واحد فقط، في حين هناك العديد من السمان في كوريا الجنوبية؟؟