في التسعينات الهجرية ، السبعينات الميلادية ، بعد أن ولى الزمان الأغبر ، وأقبل الزمان الأخضر ، وبداء المزارعين في ترك الزراعة والمعاناة ، وترك البدو رعي الضان والشاة .
و فتحت أبواب الوظائف ، وعم الخير سائر أنحاء المملكة ، وبداء الرجال في التقديم على الوظائف الحكومية ، وبداءو في التوافد على المدن الرئيسية اللتي توجد بها الوظائف ، فأجتمع شمل أهل الشمال بأهل الجنوب ، وأهل الشرقية بأهل الغربية ، فلم يعد بين القبائل حد ، ولم يعد نجد قاصر على أهل نجد ، بل توحدت كل الأرجاء وعم الأمن والرخاء تحت قيادة الفهود آل سعود ، فمع آل سعود بداء عهد السعد ، فآلسعد وعد وقد حقق الله الوعد ، وكل له من أسمه نصيب ، وكان بأسم ملوك ال سعود ، عم السعد وأصبح الخير موجود .
وقد فتحت الأدارات الحكومية باب التوظيف ، فوفدوا طالبين العمل من كل القرى والهجر إلى المدن الرئيسية ، فبداءات الاحياء تكثر فيها المساكن بسبب كثرة أعداد المواطنين اللذين قدموا للعمل من جميع أنحاء المملكة . فلم تعد الأحياء قاصرة على أهل منطقة ولا على قبيلة ، فقد دخل بين الجيران جيران وكثروا الخلان والزملاء .
وقد قدم جبران من آقصى الشمال إلى مدينة الرياض ، فقد أعلنت أحدى القطاعات العسكرية عن بدء التسجيل في التجنيد ، وجبران هو أحد الرجال الشجعان ، فلا يوجد في عائلته جبان ، فهو من سلالة شيوخ وأبطال فرسان ، فقد ورثوا الفروسية والشجاعة من عصر الجدان ، فأجدادهم لا يزوجون أبناءهم وأحفادهم الا بنات الشيوخ المعروفين ، اللذين بالكرم والشجاعة مشهورين .
فجبران يحب العمل البطولي والقيادة ، ولديه الأستطاعة للقيام بجميع المهمات والعمل في كل القطاعات ، فهو رجل صاحب أقدام ، ومن يعرفه يكن له الأحترام ، فهو يرحب بالضيوف ، ويعطف على المساكين والضعوف ، فليس في نفسه على الناس ذرة كبر ، فهو يحترم الصغير ويقدر الأكبر .
فقد ذهب جبران إلى مدينة الرياض للبحث عن عمل فيها وتقدم لإحد القطاعات العسكرية بطلب الألتحاق بها ، وقد تم قبوله للعمل بذلك القطاع ، وأبلغوه المسئولين في القطاع بأنه سوف يبقى في المعسكر تحت التدريب لمدة أربعين يوم ، وأنه سوف يبقى في المعسكر يقيم مع العسكر ، ولا يسمح له بالخروج الا بعد إنتهاء الأربعين يوم من التدريب ، ثم يذهب لآله لمدة أسبوعين ، فقال في نفسه الله على الغياب عن الأهل يعين .
وكان لدى جبران والد صغير وبنت ، فهم طفلان جميلان ، وهو على فراقهم حزنان ، ولكن حكم عليه المكان والزمان بأن يغيب عنهم .
بداء جبران في التدريب بالمعسكر وبعد إنقضاء فترة الأربعين يوم الأجبارية في العسكرية ، أعطي جبران إجازة لمدة أسبوعين ، وبعهدها يرجع لمقر عمله في الرياض ، فذهب جبران على عجل الى موقف التكاسي ، فعندما وصل إلى موقف التكاسي ، قابله صاحب تكسي وسأله وين رايح ، فقال له إلى شمال المملكة وسمى له الهجرة اللتي يقيم بها ، فقال له صاحب التاكسي ، لابد من توفر ركاب حملة التاكسي لكي أوصلك لديرتك . ولكن لا يوجد الان ركاب جاهزين ويجب عليك الأنتظار إلى يوم غد ، فربما يكتمل العدد .
ففكر جبران ، وقال ربما لن يآتي أحد ولن يكتمل لصاحب التاكسي العدد ، وأنا لإهلي على شوق ، وقد يطير النوم من موق عيني ، بسبب التفكير في أهلي ، وعن أهلي اتآخر ، وانا للقياهم على أحر من الجمر .
فقال لصاحب التاكسي بكم توصلني لى الحدود الشمالية ، فقال له بثلاثمية ريال ، وكانت الثلاثمية ريال تعادل راتب جندي في ذلك الوقت ، ولكن هو يغتنم الوقت .
فقال لصاحب التاكسي توكل على الله وهيا نسري ، فأنا على عجلة من أمري .
وقد قرر جبران بأنه بعد الوصول لإهله سوف يأخذ زوجته وطفليه إلى مدينة الرياض ، ويسكن بهم في أحد الأحياء القريبة من مقر العمل ، فهو ليس لدية سيارة يتواصل بها للعمل ، فيكون من بيته قريب ، فهو لايعرف له في الحي القريب من المعسكر قريب .
بعد أن وصل جبران إلى أهله وسلم عليهم ، بقي عندهم ثلاثة أيام ، وقد أستقبلوه جماعته بكل ود وحفاوه ، وعزموه للغداء وللعشاء ، وكانوا كثيرين وعلى أكرامه ملزمين ، فأعتذر من الباقين ، وقال لهم إنني مرتبط بعمل كما تعلمون ، وأنني سوف أرجع الى الرياض باكر ، فسوف أخذ معي أهلي ، وأستاجر لهم بيت قريب من عملي ، وأن الوقت يسابقني .
في اليوم التالي ، أحضر جبران سيارة بالأجار ، وحمل بها عفش بيته وأخذ زوجته وطفلاه ، ووادع أبوه وأمه وأخوانه وجماعته وجيرانه وخلانه ، وقد وادعهم والدموع تغرق العيون ، وهم على فراقه هو وزوجته وأبناءه نادمون ، وهو وزوجته عن الحديث عاجزون ، فقد خنقتهم الحسرات وأنهمرت من عيونهم العبرات .........