لا تزال معركة استعادة بريطانيا إلى أوروبا تستحق القتال في سبيلها، وربما يكون الوقت الحاضر أفضل موعد للبدء بها. ربما تقول إن من الجنون التحدث حول هذا الموضوع بعد مضي أقل من أسبوع على تفعيل تيريزا ماي، رئيسة وزراء المملكة المتحدة، رحلة العامين نحو البريكست، أي الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ولهذا: أقدم نصيحتي للمؤيدين للتكامل الأوروبي في المملكة المتحدة فيما يتعلق بكيف يمكنهم العودة مرة أخرى إلى الاتحاد الأوروبي. وأنا أعني ما أقول، ولا ألعب لعبة كذبة أبريل بعد فوات موعدها.
أولا، عليهم أن يقبلوا نتيجة الاستفتاء، وأن خروج بريطانيا سوف يحدث. لا تتسرعوا: لن يكون هنالك استفتاء ثان. مهما كان الاحتمال ضئيلا بحدوث انعكاس ما بين الثالث والعشرين من حزيران (يونيو) من عام 2016 والتاسع والعشرين من آذار (مارس) من عام 2017، كل ذلك انتهى الآن. وتفعيل المادة 50 من القانون عمل على تسوية المسألة.
نعم، أنا مدرك للتحديات القانونية المتعلقة بانعكاس اتجاه العملية. وهذه الأمور ليست مهمة على الصعيد السياسي. انسوا الأمر. وواصلوا ما بدأتم. النصيحة الثانية التي أود تقديمها تتبع مباشرة من الأولى. توقفوا عن الشعور بالغضب. توقفوا عن التصرف كما لو أنكم لا تزالون في حملة الاستفتاء.
وتوقفوا عن الشكوى بأن الناخبين الأغبياء اختاروا تصديق الأكاذيب التي أثارها مؤيدو مسألة البريكست، ولم يصدقوا أكاذيبكم الأكثر تعقيدا التي جئتم بها.
قد ترغبون في تأمل الحكمة من إقامة الحملة على تنبؤات اقتصادية هي عرضة للمراجعة في غضون أشهر قليلة. وربما تودون أن تتأملوا تفاؤل المستثمرين.
ربما هم على خطأ، وغالبا ما يكونون كذلك. بيد أنه يمكننا القول بكل تأكيد إن مسالة البريكست لم تتسبب في حدوث انهيار في التوقعات، كما اتضح جراء ازدهار أسواق الأسهم - وهو أمر ربما كنتم تتوقعون حدوثه فيما لو تحققت توقعاتكم القاتمة طويلة الأجل. لاحظوا بأنه سيكون من الصعب عزل أثر مسألة البريكست، إذا كان الاقتصاد سيصاب بالضعف في المستقبل. وبالتالي ليس هنالك سبب وجيه في الإصرار على الحجج الاقتصادية.
أما النصيحة الثالثة التي أود تقديمها فقد تكون في التعامل مع خصومكم بأسلوب أكثر جدية، فليس جميع من تختلفون معهم في الرأي هم أشخاص غير عقلانيين.
وليس كل من صوت لمصلحةدونالدترمب أو مسألة البريكست هو شخص غبي. ربما لم تكن حكومة ماي مستعدة لمسألة البريكست خلال الأشهر التي أعقبت الاستفتاء، لكنها مستعدة الآن، والكثير منكم يا مؤيدي البقاء في الاتحاد لستم مستعدين. أعرف الكثير من مؤيدي البقاء في الاتحاد ممن ظنوا أن بريطانيا سوف تندم مباشرة على قرارها الذي اتخذته.
تفوق مؤيدو البريكست عليكم مرتين: أثناء حملة الاستفتاء وبعدها.
النصيحة الرابعة هي تهدئة الأعصاب والابتعاد عن الغضب من موقف حكومتكم من المفاوضات التي ستجريها في محادثات الخروج المقبلة. حيث إن كلا الجانبين سيقاتل بمنتهى الجدية. هذا ما يفعله الاتحاد الأوروبي.
نحن نعلم أن عملية المادة 50 من القانون تشكل عائقا قويا أمام البلد الذي يريد الانفصال. والفرصة الوحيدة لتسوية ميدان اللعب وجعله متكافئا أمام جميع اللاعبين هي الالتزام بكل مصداقية بالخروج من دون إبرام اتفاق. هنالك منطق في كلام ماي "عدم إبرام اتفاق أفضل من إبرام اتفاق سيئ".
ومهمتها التالية هي أن تجعل تهديدها يكتسب المصداقية. هل تذكرون ماذا حصل لليونانيين الذين خادعوا في مسألة الخروج من منطقة اليورو؟
أما النصيحة الأخيرة التي أود تقديمها فلن تصبح ذات صلة بالموضوع إلا بعد قليل: وهي أن تدركوا أن الاتحاد الأوروبي الذي ربما تودون الانضمام إليه مرة أخرى سيكون مختلفا عن الاتحاد الذي ستغادرونه.
من منظور بريطاني، كان الاتحاد الأوروبي لا يزيد على كونه اتحادا جمركيا وسوقا موحدة. إذا قررت المملكة المتحدة في أي وقت العودة للانضمام مرة أخرى للاتحاد، سيتعين عليها فعل ذلك بموجب المادة 49 من معاهدة الاتحاد الأوروبي.
وهذا يعني الانضمام إلى الاتحاد من جميع الجوانب – أي الانضمام إلى منطقة اليورو، ومنطقة التشينجن، ومشاركة الاتحاد الأوروبي في الشؤون الداخلية، وعدم وجود خيارات للخروج، وعدم وجود رديات في الموازنة. إن أردتم العودة، ستنضمون لمنظمة لم تكونوا قط أعضاء فيها من الناحية الواقعية، بشروط عضوية كاملة.
إذا سألتم الأشخاص الموجودين خارج المملكة المتحدة عن أهم ثلاث سمات تميز الاتحاد الأوروبي، فإنه من المحتمل ألا تكون السوق الموحدة أو الاتحاد الجمركي من بين تلك الميزات. وليسوا من ضمن قائمتي أنا.
عندما تقررون العودة للانضمام مرة أخرى للاتحاد الأوروبي، تأكدوا بأنهما ليستا من ضمن قائمتكم أنتم أيضا. لا تبدأوا الحملة الجديدة كما لو أنها ممارسات ضاغطة لمصلحة الشركات. بل اجعلوها حملة تتعلق بالمواطنين، لا بالحي المالي.
من أجل هذا سوف تحتاجون إلى توسيع نطاق الحجة المقدمة. استمعوا إلى أشخاص كالشاب الذي ظهر في إحدى المظاهرات الأخيرة المناهضة لمسألة البريكست في لندن، الذي تحدث حول الاتحاد الأوروبي بعبارات مختلفة نوعا ما عن تلك التي استخدمها مؤيدو حملة البقاء في الاتحاد العام الماضي.
لقد قال إنه ولد كمواطن في الاتحاد الأوروبي، وإن البريكست سوف يسلبه جزءا من هويته. وهذا ما كان من الممكن أن أقوله أيضا. فكروا في حرية تنقل اليد العاملة ليس كأمر خاطئ، بل كسمة مميزة. لا تدافعوا عنها - بل اجعلوها موضوع حملتكم.
ربما يسخر الناس من مسألة الهوية التي يعتقدون بأنها موضوع سخيف. لم تكن الحملة المؤيدة للتكامل الأوروبي ترغب في مناقشة الموضوع بشكل كبير، بل فضلت مناقشة رسالتها المحتومة المتعلقة بالاقتصاد.
ليس هنالك أبدا وقت أفضل لتحدي الحكمة التقليدية من الوقت الذي أعقب مثل تلك الكارثة.
لست متأكدا مما إذا كانت الحملة التي تستهدف إقناع بريطانيا بالعودة مرة أخرى إلى الاتحاد الأوروبي ستنجح أم لا، لكن فيما لو نجحت، حينها ستكون تلك العوامل هي السبب، وليس بسبب أن أداء الاقتصاد البريطاني أصبح أسوأ خارج السوق الموحدة، أو لأن أحد المصارف الكبرى ينقل بعض موظفي الخدمات المساندة إلى فرانكفورت.