( الحمد لله وصلى اللهوسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أصاب المسلمين يوم حنين ما أصابهم ثم إنتهت المعركة عن نصر مؤزر للجيش الإسلامي، وقتل الكثير من هوازن وحلفائها ، وسبيت نساؤهم وأخذت أموالهم .
وقد روي أن السبي يوم حنين قد بلغ ستة آلاف من النساء والأبناء، وأن الأموال كانت أربعة آلاف أوقية فضة، وأن الإبل كانت أربعة وعشرين ألفاً، وأن الشياه أكثر من أربعين ألف شاة .
وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السبي والغنائم بالجعرانة ليتصرف فيها بعد الفراغ من أمر الطائف، فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بسر بن سفيان الخزاعي يقدم مكة فيشتري للسبي ثياباً يكسوها، ثياب المعقد فلا يخرج المرء منهم إلا كاسيا، فاشترى بسر كسوة فكسا السبي كلهم .
ثم بدأ بالأموال فقسمها، وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس فأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية ومائة من الإبل فقال: ابني يزيد؟ فقال: (أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل)، فقال: ابني معاوية؟ قال: (أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل)، وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل، ثم سأله مائة أخرى فأعطاه، وأعطى النضر بن الحارث بن كلدة مائة من الإبل، وأعطى العلاء بن حارثة الثقفي خمسين، وأعطى العباس بن مرداس أربعين، فقال في ذلك شعراً، فكمل له المائة، ثم أمر زيد بن ثابت بإحصاء الغنائم والناس، ثم فضها على الناس فكانت سهامهم لكل رجل أربعاً من الإبل وأربعين شاة، فإن كان فارساً أخذ اثني عشر بعيراً وعشرين ومائة شاة .
وقد تأثر حدثاء الأنصار من هذا العطاء بحكم طبيعتهم البشرية وترددت بينهم مقالة، حتى قال قائلهم لقي والله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قومه، ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة، قال: يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم؛ لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء! قال: (فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ) قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي. قال: (فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ) قال: فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا أتى سعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: (يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ: مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ؟ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ؟ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلّالًا فَهَدَاكُمْ اللّهُ بِي؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللّهُ بِي؟ وَأَعْدَاءً فَأَلّفَ اللّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟) قَالُوا: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنّ وَأَفْضَلُ. ثُمّ قَالَ: (أَلَا تُجِيبُونِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟) قَالُوا: بِمَاذَا نُجِيبُك يَا رَسُولَ اللّهِ؟ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنّ وَالْفَضْلُ. قَالَ: (أَمَا وَاَللّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَلَصُدّقْتُمْ: "أَتَيْتَنَا مُكَذّبًا فَصَدّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاكَ"، أَوَجَدْتُمْ عَلَيّ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِكُمْ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدّنْيَا تَأَلّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا؟، وَوَكَلْتُكُمْ إلَى إسْلَامِكُمْ، أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النّاسُ بِالشّاءِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللّهِ إلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ، وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءًا مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النّاسُ شِعْبًا وَوَادِيًا، وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا وَوَادِيًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ وَوَادِيَهَا، الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنّاسُ دِثَارٌ، اللّهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ) فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينابرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسماً وحظاً، ثم انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتفرقو ).
منقول .
اللهم إرحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار ، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وسلم .