قدم علي بن الجهم على المتوكل - و كان بدويًّا جافياً - فأنشده قصيدة قال فيها : أنت كالكلب في حفاظـك للـود و كالتيس في قراع الخطوب أنت كالدلو لا عدمنـاك دلـواً من كبار الدلا كثيـر الذنـوب فعرف المتوكل قوته ، و رقّة مقصده و خشونة لفظه ، وذ لك لأنه وصف كما رأى و لعدم المخالطة و ملازمة البادية . فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة فيها بستان يتخلله نسيم لطيف و الجسر قريب منه ، فأقام ستتة اشهر على ذلك ثم استدعاه الخليفة لينشد ، فقال : عيون المها بين الرصافـة والجسـر **جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري خليلـي مـا أحلـى الهـوى وأمـره ** أعرفنـي بالحلـو منـه وبالـمـرَّ ! كفى بالهوى شغلاً وبالشيـب زاجـراً ** لو أن الهوى ممـا ينهنـه بالزجـر بما بيننا مـن حرمـة هـل علمتمـا ** أرق من الشكوى وأقسى من الهجر ؟ و أفضح من عيـن المحـب لسّـره ** ولا سيما إن طلقـت دمعـة تجـري وإن أنست للأشياء لا أنسـى قولهـا ** جارتها : مـا أولـع الحـب بالحـر فقالت لها الأخـرى : فمـا لصديقنـا ** معنى وهل في قتله لك مـن عـذر ؟ صليه لعل الوصـل يحييـه وأعلمـي ** بأن أسير الحب فـي أعظـم الأسـر فقالـت أذود النـاس عنـه وقلـمـا ** يطيـب الهـوى إلا لمنهتـك الستـر و ايقنتـا أن قـد سمعـت فقالـتـا ** من الطارق المصغي إلينا وما نـدري فقلت فتـى إن شئتمـا كتـم الهـوى ** وإلا فـخـلاع الأعـنـة والـغـدر فقال المتوكل : أوقفوه ، فأنا أخشى أن يذوب رقة و لطافة !