الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد..
فإن الفتوى في الإسلام لها أهمية عظيمة لأنها إخبار عن الله، أو عن رسوله صلى الله عليه وسلـم بأن الله أو رسوله أحلَّ كذا، أو حرَّم كذا، ولأن القول على الله بغير علم من الكذب على الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون ﴾ [الأعراف:23].
ولذلك كان السلف يكرهون الجرأة على الفتيا والحرص عليها والمسارعة إليها، والإكثار منها، قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: «أدركت مئة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلـم يُسْأَلُ أحدهم عن المسألة، ما منهم من أحد إلا ودَّ أن أخاه كفاه. وفي رواية: فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى يرجع إلى الأول»[6].
قال الإمام أحمد: «من عرض نفسه للفتيا، فقد عرضها لأمر عظيم إلا أنه قد تلجئ إليها الضرورة، قيل له: فأيما أفضل الكلام أو السكوت؟ قال: الإمساك أحبُّ إليَّ، قيل له: فإذا كانت ضرورة؟ فجعل يقول: الضرورة الضرورة، وقال: الإمساك أسلم له.
ومن الأسباب التي أدت إلى التساهل في الفتوى:
أولًا: حب الظهور وبريق الشهرة، فصاحب الفتاوى المتساهلة تزداد شعبيته، وتكثر جماهيره، ويُثنى عليه بأنه معتدل، وأنه يمثل المنهج الوسطي... وغير ذلك من العبارات البراقة، بينما صاحب الورع والفتوى المستندة إلى الأدلة الشرعية يوصف بأنه متشدد، وأنه لا يعرف إلا لغة التحريم، وأنه يشق على الناس ويثقل عليهم.
ثانيًا: الجهل وعدم دراسة الأحكام الشرعية دراسة منهجية مؤصلة: وإنما الاعتماد على الثقافة العامة، والدراسة السطحية للمسائل.
الخلاصة: أن المؤمن يجب عليه أن يحتاط لدينه، فإذا أُشْكِلَ عليه شيء سأل العالم الذي يثق به في دينه، ولا يسأل من هب ودب ممن لا تبرأ الذمة بسؤالهم، فإن الأمر دين، وكما قال محمد بن سيرين: إن هذا الأمر دين فانظروا عمن تأخذون دينكم[11].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.