في أحدى رحلاتنا للمقناص في منطقة خالية من الناس تمتازبكثرة الجبال السود ، المهجورة من عشرات السنين من الساكنين من الأنس ، في تلك الجبال ذات القمم الشماء اللتي تعانق السماء ، أجتمعنا مجموعة من الأصدقاء ، للبحث عن الصيد ، الموجود في تلك الجبال والأودية السحيقة اللتي تخلوا من الناس ، ومن شدة وحشتها وخلوها من الناس ، تجعل من يسير فيها وحيداً يحبس الأنفاس ، ويصيبه الوسواس ، فمن يذهب لها أول مرة يحس بامور غريبة تحدث حوالية وقد حدث معنا عدة مرات ، حتى تعودنا على محدثاتها ولكننا لانعلم هل هو وهم ام حقيقة ، ولكن في الحقيقة يحس من يمشي فيها وحيداً كأن أحد يراقبه ، فتارة يسمع أصوات تنادية وأحياناً يسمع ضحك وقهقهة ، وأحياناً يسمع أصوات إستغاثة تنادي الشخص بأسمه ، ولكن قد تعودنا على تلك الأصوات ، وصارت لدينا قوة ومناعة ، وكان عددنا في هذه الرحلة للمقناص ثلاثة خويا متعودين على القنص في هذه الأماكن الخالية ، ولكن رافقنا في هذه الرحلة ولد عم خوينا مسلط ، وهو متعود على رحلات البر ويعشق المقناص ، ولكنه شاب صغير وأول مرة يذهب إلى هذه الديار القفراء، الموحشة اللتي يحين فيها ظلام الليل قبل وقته ، فمن بعد صلاة العصر تظلم الأودية بسبب أرتفاع لجبال الشاهقة وتقاربها من بعضها فيدنوا الظلام قبل وقته ويعم السكون ، وتطلع الجنون
، وقد خيمنا في ربوة مرتفعة عن الوادي تكثر فيها الاشجار ، حيث إن وقت مقناصنا في هذه المرة في فصل الشتاء ، والأشجار حول مخيمنا نتدفى بكثافتها وهي من أشجار السلم الكبيرة المتراصة الغصون .
ووصلنا الى المكان قبل صلاة المغرب ، ونزلنا أغراض رحلتنا ، وكانت سياراتنا جيب شاص وجيب صالون ، وقد نزلنا أغراض الرحلة ونصبنا خيمتنا ، ونمنا ليلتنا تلك ، وكان الجو بار والسماء توجد بها بعض السحب الثقيلة اللتي تحجب عنا القمر تارة وتنكشف عنه تارة آخرى ، وفي صباح اليوم التالي ، عملنا خطتنا بأن نتوزع في الجبال المحيطة بالمخيم ، وتركنا ولد عم خوينا مسلط عند الخيمة، وبعد طلعنا في الجبال أزدادة كثافة السحب الممطرة وأظلم الجو وبداءت تزمجر الرياح والرعود تقصف وأضواء البرق المخيفة تصتدم في قمم الجبال ، وقد بحث كل واحدمنا عن كهف يحتمي به من شدة الرياح والمطر الغزير، وكان الوقت حين أنهمر المطر حوالي الساعة الحادية عشر صباحاً ، وقد أستمر المطر في لهطول المتواصل الى قرب صلاة العصر ، وكانت الشعاب تسيل منها السيول القوية المندفعة من أعالي الجبال ، وقد جرفت معها الصخور والأشجار ، وكان خوينا ولد عم مسلط وأسمه طارق ، قد خرج من المخيم ، وأخذ معه بندق خرازة للبحث عن طيور في الأشجار اللتي حول المخيم ، ولكنه أبتعد عن الخيمة وقطع الوادي للجهة المقابلة ، وأستمر في البحث عن الطيور ، وفاجاءه المطر وقطع عليه خط العودة للمخيم ، فبقي في الجهة الاخرى من الوادي حتى دناء عليه الليل وأظلم المكان .....