هذا اليوم هو اليوم السابع من شهر رمضان واليوم الخامس من الشهر الميلادي..
المكان: الحد السعودي الجنوبي...
الحالة : ستة جنود من كتيبة قوة الواجب القطرية المدافعة عن الحدود الجنوبية السعودية.. تتمركز على جبل وعر منقطعة صلاتهم بالعالم إلا من جهاز لا سلكي يربطهم بالقيادة.
وعورة مكان، وقساوة حرارة الصيف، و شهر رمضان المبارك وقد أظلهم وهم نائين خائفين. لا موائد مع الأهل، ولا أمسيات رمضانية تقضى مع الأصدقاء والأقارب. يتذاكرون استشهاد زميلهم اللذي استشهد على مدخل هذا الشهر الكريم...
يسلون أنفسهم وهم بعيدون عن حدود بلادهم بمسافة تقارب الألف كيلو، ويواسون أنفسهم بأن هذه البلاد اللتي يقفون على ثغرها بلاد لهم أيضاً ويكفي أنها تضم أقدس بقاع في الإرض.
أوقف حديثهم أزيز يقترب بسرعة الصوت وقبل تبين أمره، إذ هي قذيفة تصيب مركزهم . حرارة الدماء لامست أجسادهم اللتي قذفتها قوة الإنفجار... غبار ثار في المكان ، آلام كمشارط السكاكين أحسوها في أجسادهم.. تأوهات انطلقت من هنا وهناك.. خوف غشي المكان، هل هناك قذيفة أخرى أو أعداء راجلون سينهون حياة من لم تنه هذه القذيفة حياته . كم عدد من قتل من رفاق السمر اللذي كان قبل لحظات... أسئلة مميته جوابها في اللحظات القادمة... تقشع الغبار . عاد الهدوء. باستثناء تأوهات تسمع من هنا وهناك. تناول أحدهم جهازه اللاسكي بصعوبة ومرر رسالة للقيادة: نحتاج إسعاف عاجل. لم تتأخر النجدة... تبين في النهاية أنه لم يمت أحد منهم والحمدلله. إصابات متفرقة لستة جنود قطريين استلزم الأمر تنويمهم في المستشفى الميداني. لزم الأمر أن يعطى بعضهم مخدراً لنسيان الألم.. وسيفقد معها جزءً من وعيه..
أحدهم عاد إليه وعيه فجر اليوم العاشر من رمضان الخامس من يونيو.. استوعب الأمر .. سأل عن رفاقه هل مات أحد.. هل إصابات من أصيب منهم خطيرة... جاءه الجواب: الوقت أضيق من الجواب على أسئلتك.. احمل جراحك وآلامك وارحل لبلدك... أنت غير مرغوب بك في هذه البلاد... بل وليس مسموح لك العودة إليها مرة أخرى...إرحل غير مشكور. بل ولو كان الأمر بيدنا ... وغير مأجور أيضا.
في البداية شعر صاحبنا أن هذه هلوسات يتخيلها بسبب آلام الإصابة... ولكن تم تكرارها عليه مرة أخرى. حتى تيقن أن الأمر جد. استخبر الأمر أكثر فقيل له: بلدك الان محاصر برياً وجوياً.. ومخنوق اقتصادياً.. ليس من إيران أو اليهود. بل من رفاق السلاح.. ومن البلد اللذي أرقت دمك دفاعاً عنه.
لقد انهيت مشاركة بلدك في الدفاع عن هذه البلاد من غير شهادة شكر أو تقدير. وهذه معدات بلدك الحربية وقطاعات جيشك تتحرك نحو الشمال... فتجهز لتلحق بأحدها.. بدا الأمر ككابوس غير مفهوم.. وفيما هو يحاول استيعاب الأمر.. حضر له زميلان يحملان نقالة، حملاه عليها.. وسارا به إلى مؤخرة سيارة إسعاف وأدخلوه في تجويفها... وقيل له: هذه السيارة جزء من قافلة جيش بلدك العائد إليها... إنسابت القطع العسكرية القطرية من جبال الجنوب في خط طويل تقصد الشمال ... تحمّل صاحبنا هزهزة الطريق ووعورة الدروب.. حاول أن يتحامل على نفسه ليطل من نافذة سيارة الإسعاف... ليودع المكان اللذي سقاه بدمه ودماء رفاقه قبل 72 ساعة فقط... المكان اللذي صعدت فيه أرواح رفاقه.. المكان اللذي رافقه فيه الخوف والوحشة... المكان اللذي لأجله انقطع عن زوجته وأولاده . المكان اللذي افتقد فيه الأنس والصحاب. لا أظن أن جنوداً في التاريخ انتهت خدمتهم العسكرية بهذه النهاية.... مهما كانت الخلافات السياسية فإن الدماء لها حرمة... والمؤازرة في الضيق تستوجب شكراً وحكمة.. يالله... مؤلم هذا اللذي يحدث... خفت وعورة الطريق.. ولان الدرب تحت إطارات القافلة... تحامل صاحبنا مرة أخرى ليرى من نافذة الإسعاف. لقد انقطعت الجبال وبدأت صحراء الربع الخالي للعيان... كان على القافلة أن تتوغل في هذه البحور من الرمال حتى تصل لهدفها...
مشهد القافلة من بعيد كخيط تائه في هذه الصحراء المترامية.. وهو يشبه توهان الحقيقة في المشهد السياسي برمته.
المواضيع المتشابهه 
فجر القطيعة الخليجية !!! 
العرض الشجري
