كان القاضي عياض من محاسن الدهر، وبركة العصر، وكلمة إجماع عند أهل العلم، رزقه الله عز وجل القبول عند الناس، فأنزلوه مكانه اللائق به في مصاف كبار علماء الأمة، وأثنوا عليه بما هو أهله، وهذه طائفة من أقوالهم:
قال ابن بشكوال تلميذه: هو من أهل العلم والتفنن، والذكاء والفهم، استقضى بسبتة مدة طويلة، حمدت سيرته فيها، ثم نقل إلى غرناطة، فلم يطول بها، ثم قدم علينا قرطبة فأخذنا عنه، واستفدنا منه كثيرًا.
قال الفقيه محمد بن حمادة السبتي: جلس القاضي للمناظرة وله نحو من ثمان وعشرين سنة، وولي القضاء وله خمس وثلاثون سنة، كان هينًا من غير ضعف، صليبًا في الحق، وقد حاز من الرئاسة في بلده والرفعة ما لم يصل إليه أحد قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلا تواضعًا وخشية لله تعالى.
وهو أجَّل كتبه وأنفعها وأشهرها، وقد أتى في الكتاب بالعجائب والفرائد والتأويلات البديعة، والمعاني الخفية اللطيفة، فجاء هذا الكتاب فريدًا بين كتب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شغف العلماء بهذا الكتاب، فوضعوا له الشروح والحواشي، وخرجوا أحاديثه، وحرروا ألفاظه، ولذلك الكتاب عدة طبعات بعدة شروح مختلفة، وبتحقيق أسماء مختلفة من أهل العلم، والكتاب لا يستغني عنه أي طالب علم، فضلا عن المتخصصين في السير والتاريخ.