بين فصول قطيعة سياسية وحرب إعلامية تعدت كونها تبحث في أمور عابرة إلى كونها تلامس العظم وتظهر كل ما خفي.. يظهر من خلال ذلك مأساة دولة اعتقدت أنها بالمال قد تستطيع تغيير خريطة العالم العربي، هذا المال وحسب رأيها يستطيع أن يصنع لها موالين وأحزاباً ممتدة من المحيط إلى الخليج، والسبيل إلى ذلك بث الفرقة وتعميم التناحر، والأشد ضرب المكونات الداخلية وبما يجعلها لا تطيق عيش غيرها.
كانت رؤية بلا روح ولا تخطيط على المدى الطويل، هناك مستفيدون من المال ويعرفون أبعاد صاحبه لتمتد مأساة دولة كان بإمكانها أن تكون دولة فاعلة مهمة ولكن باتجاه آخر غير دعم الحروب وتسخير الأموال لاقتتال الشعوب الواحدة، كان بإمكانها أن تكون مثل سنغافورة وبرُقي من فنلندا.. كل المقومات بيدها، كان بإمكانها أن تحول رمال الصحراء على أرضها الى أخرى خصبة زراعية وارفة.. بأموالها الوافرة وحسن التخطيط ستصنع ذلك على تلك الأرض الصغيرة.
كانت الوحيدة التي بإمكانها أن تصنع النهر الذي حلم به القذافي وبدأ به، لكن اتساع بلاده وتراجع الإمكانات المالية بسبب دعمه لكل ما هو مخالف في العالم.. أوقفا المشروع. كان بإمكان قطر أن تكون صاحبة هذه الريادة أن تخلق منطقة زراعية قل نظيرها، أن تكتفي عن العالم بما تحتاجه.. كان بإمكانها أن تعزز قدراتها الدفاعية الداخلية أن تصنع توجهاً سلمياً قوياً يجعلها أكثر قدرة على حفظ كيانها ودعم رقيها.. لكنها لم تفعل ذلك؟!.
لم يحسن إليها قادتها ولا مستشاريها الذين اختارتهم من وسط الرفض لمن ينتمون لهم بلداً وتوجهاً.. لكن هي أرادت ذلك.. أرادت أن تكون مؤثرة خارجياً وقوية بمالها فقط.. فعلت ذلك دون أن تقرأ التاريخ أو تتأمله ليخبرها أنه لم يستطع أحد أن يرتقي بذلك وحده.. أرادت أن تأتي بالعالم كله إليها استعجلت التأثير السياسي فشبع الأخرون من مالها وتركوها فارغة تستجدي الولاء والذكر المستمر.
أرادت أن تكون مركز التأثير وهي لم تحسن إلى نفسها قبل ذلك، تريد لكل المتضادين العرب أن يأتوا إلى الدوحة لكي تملي عليهم ما تريد.. لكنها هي في الأساس لا تعرف ماذا تريد.. جمعت رياضات العالم وعبر بطولاتها الكبرى في الدوحة قبل أن تفكّر أن مثل ذلك يحتاج إلى جمهور يشاهده وأجيال وطنية تتعلم منه.. صنعت بالمال الجماهير مرات.. وبالمجنسين ليدافعوا عن ألوانها.. مرة ثم أخرى لكنها لا تستطيع أن تستمر.. تريد أن يكون التجمع الرياضي الأكبر "كأس العالم لكرة القدم" على أراضيها.. لم تحسن قراءة حسابات الحقل والبيدر.. الأهم أن يحضر.. فعلت ذلك وبالطريقة التي تريدها.. لكن كيف ستديره وعشرات المليارات لتحقيق ذلك.. دفعت وخسرت كثيراً لتحقيق هذا الحلم، ومع ذلك ما زالت وجلة ألا يتحقق رغم عشرات المليارات التي دفعت ويزداد وجلها وهي تراقب أستراليا وأميركا يستعدان كبديلين عنها بشكل موازٍ؟!.
هل سُرقت قطر من أهلها؟!.. يدور هذا السؤال في رؤسنا كمحبين راغبين أن تكون في أفضل حال.. لكن ليس هناك من إجابة وهي تعيد التساؤل بصيغة أخرى فحواه: كيف صنعت لنفسها اختلافاً لم يرتكز على مقومات حقيقية؟!.. هل خدعها السياسيون وعديمو النظرة البعيدة.. هي ضحية من؟.. وهي تلاحق الربيع العربي في البلدان الأخرى وهي الآن تخشى وبكل وجل أن يطالها على أراضيها؟ وبالطبع لن يدفع الثمن إلا الشعب القطري.
مراهقة وحماقة سياسية بدأت تظهر خفاياها للعين تتساقط كما الذباب، ككل يوم تظهر فيه مؤامرة لا أحد يستطيع إنكارها، مؤامرة على كل جار وتجاه أي عربي.. لماذا فعلت ذلك ومن سمح لها؟!.. ألم يكن فيها رجل حكيم ليقول إن أهل قطر وأرض قطر ومستقبل قطر أهم من كل تلك الإسقاطات والمؤامرات.
بعد هذا كله ومع تنامي تزايد أصوات الأفراد والمنظمات والدول التي تطالب بالتحقيق وتوقف قطر عند حدها، هل نستطيع أن نقول: إن مؤامرات الربيع العربي بدأت ترتد على صدر ممولها الأول.. هي الحقيقة والله سبحانه وتعالى قال: "لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون" فهل بدأت قطر بدفع الثمن.. ويا لفداحة ما يتكشف تباعاً من مؤامرات اغتيال ودعم ثورات وتنمية أيديولوجيات راديكالية والأفدح تقويض استقرار جار دون أن يدرك من وافق على هذا المخطط أن تقويض استقراره لا بد أن ينعكس على استقرار قطر؟!.
نحن أمام إجراء سياسي تاريخي لم يعرفه التاريخ من قبل من حيث أن دولة سكانها من بين الأقل بين دول العالم ولا تملك إلا المال دون أي إرث تاريخي أو أمبراطورية سابقة تريد استعادتها، تريد أن تؤثّر في العالم!! فهل هناك من ضحك على هذه الدولة المسالمة بعد 1996.. هل الثروة المفاجئة التي جعلت دخل الفرد فيها الأعلى في العالم من صنع تلك الغطرسة.. الآن أشد أما نخشاه ان تتمزق قطر وتعاني من ويلات الدمار داخلياً كما فعلت بأشقائها العرب.. العالم كله الآن يتحرك نحوها يريد أن يستجوبها يسألها عن كمية الذباب المتساقط منها.
قطر شبه جزيرة على الخليج تعيش توتراً من فرط سوء استغلالها.. لا أقول هذا من باب شماتة أو البحث عن تشفٍ لكنه من قلب صادق أصابه القهر من كيد سيد الدار لأهلها دون أن يعي؟! فالمرء يكاد يعيا من جراء تنامي الأخبار ومن المصادر والحكومات الموثوقة عن ضلوع قطر بكل ما هو ضار ومرفوض دولياً الأصوات تتعالى في أوروبا وفيها فرنسا تشتكي وبريطانيا تكشف والعرب بدأ كل مسؤول بإخراج أدلته، وأميركا لم تقف عند حد الاستشهاد بل بالتأكيد.
أصبحنا في كل صباح نستفيق على أخبار الذباب المتساقط.. فمن فعل هذا بقطر.. وهل يجب أن يحاكمه شعب قطر؟.. أم أن المجتمع الدولي سيفعل قبل أن يبادر القطريون بذلك.. نعم نقولها وبكل أسف أن قطر الآن بلغت الحضيض السياسي.. لقد وضع مسيروها منذ العام 1996 في موقع ذُلة ليس أمام جيرانها فقط، بل أمام العالم.. فكيف ببلد عربي يفاوض بلداً اجنبياً لإهلاك شعب عربي آخر.. حدث هذا في الدعم المقدم لإقامة سد النهضة في أثيوبيا وما قدم للحوثي والإرهابيين في ليبيا وتونس ودارفور والمؤامرات ضد البحرين والسعودية.. إذا أردنا الاستمرار في استعراض المؤمرات فلن نتوقف لأن الأرض ستمتلىء بالذباب.
سنتوقف عند آخر المتساقط من الذباب.. فهل على القطريين أن يبدأوا بالمطالبة بمحاكمة صانع السياسة الخارجية القطرية وسبب بلائها الجاري والمستمر حمد بن جاسم، فلم نعلم إذا ما كان سياسياً محنكاً أم مؤدلجاً فارغاً وفي كليهما كان رأس الحربة حد بلغ أن يناكف روسيا العظمى في محفل الأمم المتحدة ولولا لطف الله لبلغت الطائرات الروسية أرض الدوحة.. طموحه دفعه ليحلم بأن يكون أمين الدبلوماسية العالمية عبر منصب الأمين العام للأم المتحدة لكن الدول الكبرى قالت له.. لا.. لا يليق بك هذا المنصب فهو أكبر منك بكثير..
قد يكون طموحه وسذاجة القيادة هما من أودى بقطر إلى هذا المنزلق فالمال والقدرة على التلاعب به لا تعني النجاح السياسي، والإعلام المدفوع الأجر لا يجعل من الشخصية مقبولة ولا الفعل ناجحاً.. ولا التدخل في شؤون الآخرين يصنع منك مؤثراً يُعتد بدورك وعملك.. كل ما عمله أنه قاد بلاده في الاتجاه الخطأ والآن انكشفت سوأة ما عمل.. ويا لظلام مستقبلها إن استمرت على عملها هذا.
الله يا قطر.. جملة غنائية رائعة استعيدها من فم الفنان القطري الرائع الراحل فرج عبدالكريم.. أحاول أن أجعل منها ترنيمة جميله كما فعل هو، لكن يبدو أن ساستها أفسدوا حتى الاستمتاع بما أسرت قلوبنا به.. فهل يعقل أن تنحني دولة لأجل حزب أو جماعة أيديولوجية.. لا تاريخياً أو أيدولوجياً ينتمي إليها.. لم يحدث هذا أبداً لولا أن هناك صدمة حضارية ونفسية وتطلعات غير منطقية ألمت بهذا البلد؟! هذه الفئة الجشعة المتكالبة على المغانم زادت في تنفير كل ذي رأي يحترم نفسه من أن يختلط بها أو يشاركها الإدارة، فعملها يخرب كل أمل في إنجاز شيء محترم.. وهكذا أصبحت قطر؟!.