الساعة الثانية عشرة بالليل نصعد لسطح المنزل التمس فراشي البارد حيث كانت درجات الحرارة بفصل الصيف ليلا بالعشرينات جو بارد تدفئه قصص جدتي قبل النوم كانت تقص لنا قصص حقيقية وقصص خيالية ك "تريترا" العجوز الاسطورة الشريرة.
استلقي في فراشي وانظر الى السماء السوداء الصافية واتأمل النجوم المضيئة كحبات لؤلؤ منثورة في هذا الملكوت العظيم.
اتذكر امي كانت تقول " اللي يعد النجوم يطلع بوجهه ثالول " ! ربما كانت حيلة حتى اغمض عيناي وانام. كانت الشوارع بعد الساعة 11 تخلو من السيارات لدرجة ان مرور سيارة على الطريق السريع البعيد عنا تسبب لنا ازعاج فلا تسمع حتى دبيب النمل وتتصور لن جميع من في هذا الكون رقود . واتذكر ان الاشارات المرورية تقفل بعد منتصف الليل لعدم الحاجة لها . يوجد في زاوية السطح تلفزيون 10 بوصة مع انتل موضوع فوق صندوق طماطم خشبي وبجانبه ترمس ماء برتقالي وطاسة غراش حمراء لشرب الماء.
كانت منارة المسجد المجاور تطل على سطحنا لذا صوت اذان الفجر كفيل بايقاظ العائلة . اتذكر يوحد بجدار السطح مطلات مثقوبة بزخارف اسلامية واتذكر اني اصعد على بلكة مكسورة لاشاهد المؤذن وهو يؤذن في فناء المسجد. كانت المساجد جميعها لا تخلوا من فناء مفروش ببطحاء حمراء يصلى فيها المغرب والعشاء والفجر في فصل الصيف ويصلى فيها الظهر والعصر في فصل الشتاء . اتذكر وانل اصلي ثوب الامام من اسفل تلعب به نسمات الفجر الباردة وتكشف لنا عن جزء من ساقيه.
خيوط الشمس تاذن برحيلنا الى الغرف لمن اراد اكمال نومه حتى الضحى . الساعة العاشرة لا يوجد في البيت احد نائم . التلفزيون على موسيقى التلفزيون المعتادة استعدادا للسلام الملكي وبداية البرامج . الفطور حليب وخبز الصالحية وجبن وزيتون ومربى . بعد الفطور مشواري اليومي لشراء جريدة الصباح لوالدي من بقالة اليمني ابو ايمن في راس الشارع . كان يعلق على الباب العاب بسيطة لا تقارن بالعاب هذا الزمن وبحكم انها تجذب طفل بعمري كنت ادخر الريال والريالين لاشتري مزمار بلاستيكي او كرة نفخ ملونة او بالونات اجعلها تكتسب شحنات كهربائية بالاحتكاك وتتعلق بالجدار كأنه مغناطيس . في زاوية البيت شجيرات ونخل الحلوة والدقلة وترنجة وعشة فوقها شجرة عنب . لا انسى صوت مشروع المياه الذي وفرته الدولة لكل بيت مجانا عندما تبدا الصنابير تحت النخل بالهدير لتحيي بها الشجر وتنتعش منها الطيور التي تصبح جائعة وتمسي شبعانة. بعد فقرة الاطفال في التلفزيون الخشبي الضخم ودخول وقت الضحى تجتمع نسوة الحارة عند جدتي رحمها الله . كنت اعتقد انهن قريباتي لانني اجبرت ان انادي كل منهن عمتي فلانة وزوجها عمي فلان ! بين ضحكات النساء تحت ظل الشجر تنبعث من المطبخ القريب رائحة الكشنة استعدادا لتقديم وجبه الغداء بعد صلاة الظهر مباشرة . صلاة الظهر كانت صيفا داخل المسجد مع المكيفات او بالقبة المفتوحة مع تشغيل المراوح فقط فقد كانت تكفي لتجنب حرارة الصيف . بعد الظهر وجبة الغداء وكأي عائلة بهذا البلد كان الغداء كبسة لحم او دجاج مع لبن ماعز محلي التصنيع والبسترة . كان اغلب الناس يربون الاغنام والدواجن في بيوتهم ولم يكن هناك نفسيات تشمئز من رائحتها ! بعد الغداء ولتجنب حرارة الرمضاء في الفناء كانوا يرغمونا على النوم وتخوفينا من "حمارة القايلة" او تمضية فترة الظهيرة في لعب الاتاري . لا انسى منظر شعاع شمس العصر يتسلل من النافذة على باب المجلس مختلطا برئحة النعناع والقهوة المهيلة. كانت الاجتماعات العائلية بسيطة وغير متكلفة . بعد صلاة العصر تبدا الاتصالات العائلية وتبدا مسيرة يوم حافل بالمودة والتآلف بين الاسر. بالليل كان السمر بالصيف لا يحلو الا بالفناء تحت النجوم فهذه قصة حزينة وهذا حدث قديم وهذا لغز يحير العقول حتى ينصرف الكل لبيوتهم قبل الساعة الثاني عشر وتنتهي رحلة يوم وليلة من ليالي الصيف القديمة .
اما الان بعض الاسر لا تنام الا ضحى كل يوم والاجهزة الذكية هي النديم والصديق وابن العم والجد والخال . رحم الله حال هذا الجيل
اعتذر عن ركاكة الاسلوب لاني اول مرة اكتب باسهاب وكنت على عجلة من امري