تولي كثير من الدول والمؤسسات اهتماما بالغا بقضية وضع الاستراتيجيات، وهي في هذا المسعى تضع عديدا من الأهداف، وترسم الخطط التنفيذية والمبادرات، ومع ذلك، فإن معظم هذه الخطط الاستراتيجية تنتهي إلى لا شيء، أو في أفضل الأحوال قد تحقق جزءا يسيرا جدا من الأهداف. ومع مضي الزمن تتقادم الخطط، وتعود هذه الجهات إلى رسم خطط جديدة، وتعود إلى المشكلات نفسها، وفي هذا، فإن بعضهم يضع اللوم على الخطط الاستراتيجية نفسها، بينما يغفل عن المشكلة الأساس، وهي فشل أو غياب نظام حوكمة وإدارة الخطة وتنفيذها والرقابة عليها. فمصير أي خطة استراتيجية هو الفشل إذا لم يتم بناء منظومة إدارية متكاملة من قواعد الحوكمة والعمل بجانبها. ولعل تجربتنا في جذب الاستثمار الأجنبي تقدم نموذجا لهذا، ففيما سبق كانت هناك عديد من الخطط، التي لم تنتهِ إلى إنتاج ما نطمح إليه من جذب للاستثمارات الأجنبية "المطلوبة"، لكن منذ تولى خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم، وتم تعيين الأمير محمد بن سلمان رئيسا لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ظهر على الساحة نموذج عمل جديد تماما، فالخطط يجب أن تستقى من "رؤية المملكة 2030". ولضمان نجاح تلك الخطط، لا بد أيضا من بناء نظام دقيق من العمل الإداري، وتقسيم المهام، وقواعد للحوكمة والتقارير، وهذا النموذج من العمل انعكس بشكل واضح على أعمال "هيئة الاستثمار"، التي رسمت خريطة استثمارية موحدة، جاءت ضمن استراتيجية شاملة متوافقة مع أهداف ومخرجات "رؤية 2030"، وذلك لجذب وتطوير الاستثمارات في ثمانية قطاعات خلال ثلاث سنوات، وتمثلت هذه القطاعات الثمانية في "المعادن والتعدين، والصناعات الكيميائية، الصحة وصناعة الأدوية، الطاقة والمياه، الصناعة والتصنيع، والنقل، والخدمات اللوجستية، والاتصالات وتقنية المعلومات، والسياحة والثقافة والترفيه". ولأن الخطط الاستراتيجية اليوم لا بد أن ترتبط بها هياكل إدارية تناسبها، فقد بدأت الهيئة في إعادة هيكلة أعمالها لجذب وتطوير الاستثمار، وتقسيمها إلى وحدات إدارية وفقا للقطاعات الاستثمارية المستهدفة للاستراتيجية حتى عام 2020، بحيث تتولى كل وحدة إدارية متابعة الخطط والبرامج الموضوعة وتحديثها، كما تضمنت الإجراءات الموضوعة تشكيل فريق عمل مع لجنة "تيسير"، التي تضم أكثر من 38 جهة حكومية، وأيضا تنفيذ خطط للتسويق المحلي والإقليمي والدولي. كما أن منظومة العمل الجديدة لتحقيق الخطط الاستراتيجية تضع للتقارير أهمية قصوى؛ حيث يتم إعداد ورفع التقارير شهريا لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي يتولى الأدوار الرقابية لمتابعة تنفيذ الخطط الموضوعة للقطاع الاستثماري. ومن المهم الإشارة إلى أن "هيئة الاستثمار" تضع اهتمامات أصحاب المصلحة والشركاء "المستثمرين والوسطاء والإعلام"، ضمن إطار الحوكمة. وبهذا، فإن العمل المنظم الآن يعالج كل المشكلات الإدارية السابقة، التي كانت تعزل الخطط الاستراتيجية وهياكل العمل بعضها عن بعض، كما تتجاهل قواعد الحوكمة التي تتطلب أخذ تصورات أصحاب المصلحة في الحسبان عند تطوير الخطط أو تحديثها. واليوم، أصبحت حوكمة الخطط الاستراتيجية جزءا من ثقافة العمل السائدة، كما أن دور مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يمثل مؤسسة رقابية، يتطلب عملها إعداد ورفع التقارير الدورية عن الإنجازات، وتتضمن بذلك مفاهيم مثل الشفافية والمساءلة.. وفي منظومة عمل مثل هذه، فإن تحقق أهداف الخطط الاستراتيجية ومبادراتها يصبح مسألة وقت فقط.