قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية 29 من آل عمران:
يخبر تبارك وتعالى عباده أنه يعلم السرائر والضمائر والظواهر ، وأنّه لا يخفى عليه منهم خافية ، بل علمه محيط بهم في سائر الأحوال والآنات واللحظات وجميع الأوقات ، وبجميع ما في السماوات والأرض ، لا يغيب عنه مثقال ذرة ، ولا أصغر من ذلك في جميع أقطار الأرض والبحار والجبال ، وهو ( على كل شيء قدير ) أي : قدرته نافذة في جميع ذلك .
وهذا تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته ، وألاّ يرتكبوا ما نهى عنه وما يبغضه منهم ، فإنّه عالم بجميع أمورهم ، وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة ، وإن أنظر من أنظر منهم ، فإنّه يمهل ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر ، ولهذا قال بعد هذا :
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا 0]وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ] ) الآية ، يعني : يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير وشر كما قال تعالى : (يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) [ القيامة : 13 ] فما رأى من أعماله حسنا سره ذلك وأفرحه ، وما رأى من قبيح ساءه وغاظه ، وود لو أنه تبرأ منه ، وأن يكون بينهما أمد بعيد ، كما يقول لشيطانه الذي كان مقترنا به في الدنيا ، وهو الذي جرأه على فعل السوء : (يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [ الزخرف : 38 ] .
ثم قال تعالى مؤكدا ومهددا ومتوعدا : ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) أي : يخوفكم عقابه ، ثم قال مرجيا لعباده لئلا ييأسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه : ( وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )
قال الحسن البصري : من رأفته بهم حذّرهم نفسه . وقال غيره : أي رحيم بخلقه ، يحب لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم ، وأن يتّبعوا رسوله الكريم .