الشيخ ابن باز: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه. أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في تحريم الظلم، والظلم عاقبته وخيمة، وهو التعدي على الناس وأخذ الأمور بغير حقِّها الذي أباحها الله به، كلّه من الظلم، والظلم عاقبته وخيمة كما تقدَّم في قوله جل وعلا: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19]، وقال جل وعلا:وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [الشورى:8]، وقال النبي ﷺ: اتَّقوا الظلم؛ فإنَّ الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، والله يقول جل وعلا في الحديث القدسي: يا عبادي، إني حرَّمْتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّمًا فلا تظالموا. فالواجب الحذر من الظلم غاية الحذر، لا في الأموال، ولا في الأعراض، ولا في الحقوق الشرعية التي ليست للشخص أن يأخذها، وعليه أن يتقي الله فيها حتى لا يأخذها إلا بحقِّها، يقول النبي ﷺ: إنَّ الله ليُمْلِي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته يعني: إذا أخذه أجرى عليه العقوبة، قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]. فيجب الحذر من الظلم كله، ولا يغتر، فما ينبغي للعاقل أن يغتر بإمهال الله وإنظاره، فقد يُملي كما قال تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:182-183]، وقال تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42]، فالمؤمن يحاسب نفسه، ويجاهدها في أخذ الحق، وترك ما ليس له. ولما بعث النبيُّ ﷺ معاذًا إلى اليمن مُعلِّمًا ومُرشدًا وأميرًا قال له: إنَّكَ تَأْتِي قومًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب، فادْعُهُمْ إِلَى شَهَادة أَنْ لا إِلَهَ إلَّا اللَّه، وأَنِّي رَسُول اللَّه، فإِنْ هُمْ أَطاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمهُمْ أَنَّ اللَّه قَدِ افْترضَ علَيْهم خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يومٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلكَ فَأَعلِمْهُمْ أَنَّ اللَّه قَدِ افْتَرَضَ عَلَيهمْ صدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغنيائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرائهم يعني: الزكاة، ثم قال له: فإن أطاعوك لذلك فإيَّاك وكرائمَ أموالهم، واتَّقِ دعوةَ المظلوم؛ فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب، كونه يأخذ غير الزكاة الواجبة –يعني: زيادة على الزكاة الواجبة- هذا ظلم، وقد يُدعى عليه، «واتَّقِ دعوة المظلوم»، فالواجب أن يأخذ الزكاة فقط، ولا يأخذ الزيادة على ما شرع الله، فإذا أخذ الزيادة فهي ظلم، والمظلوم قد يدعو، ودعوة المظلوم لا ترد، واتَّقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. ولما بعث رجلًا على العمل على الزكاة يُقال له: ابن اللُّتْبِيَّة، وقَدِمَ، قال: "هذا لكم وهذا أُهدي إليّ"، هذا المال لكم، وهذا أُهدي إليَّ، فغضب النبي ﷺ وخطب الناس وقال: إني أبعث الرجل على شيءٍ مما ولَّاني الله، فيقول: هذا لكم وهذا أُهدي إليّ! أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته. وهذا معنى الحديث الآخر: هدايا العمال غلول، يعني: أن العامل لما يُهدى له هدية –عامل الزكاة أو غيرها- لا يأخذها؛ لأنه قد يُعْطَى اتِّقاء شرِّه، قد يُعطَى ليجور، قد يُعطى ليترك بعض الحق، فليحذر، إنما يأخذ ما شرع الله ويدع ما حرم الله، فإنَّ الناس قد يهدون إليه اتِّقاء شرّه، وقد يهدون إليه ليترك لهم بعض ما يجب، فليحذر! ولهذا حذَّر من هذا وقال: لا ألفين أحدًا منكم يأتي يوم القيامة وعلى رقبته بعير له رُغَاء يعني: قد غَلَّه، أو بقرة له ثُغاء قد غلَّها، أو شاة تَيْعَر قد غلَّها، يعني: احذروا أن تجيئوا يوم القيامة بشيءٍ من الغلو، والله يقول:وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161] يعني: احذروا الظلم، فكل مَن وُظِّفَ في شيءٍ فليتَّقِ الله، سواء كان موظفًا في الدولة، أو في غير الدولة: كشركةٍ خاصَّةٍ، أو كان يعمل عند شخصٍ أخر، فليقي الله.
المصدر https://binbaz.org.sa/audios/2229/80-%D9%85%D9%86-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%84%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%B8%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%81%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D8%AE%D8%B0%D9%87-%D9%84%D9%85-%D9%8A%D9%81%D9%84%D8%AA%D9%87