تاريخ عريق ومجد زائل!
في الحديث الشريف عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : "كَانَتْ أُمِّي تُعَالِجُنِي لِلسُّمْنَةِ، تُرِيدُ أَنْ تُدْخِلَنِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا اسْتَقَامَ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى أَكَلْتُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ، فَسَمِنْتُ كَأَحْسَنِ سُمْنَةٍ". رواه أبو داود وابن ماجة.
ثم أما بعد:
للناس فيما يعشقون مذاهب، ولكل رجل خارطة ذهنية وذوقية مختلفة عن الآخر، ولولا تباين الأذواق لبارت السلع!
يشهد تراث العرب وأشعارهم بأن البدانة في المرأة كانت من مقاييس الجمال عندهم، ويشهد -تراثهم- على إعجابهم بالمرأة الرعبوب وتجافيهم عن المرأة النحيلة، ولهم في ذلك أقوال وأخبار.
يقول شاعرهم:
أعوذ بالله من زلاء ضاوية = كأن ثوبيها علقا على عود
ويقول عمر بن ربيعة:
إذا نهضن تعثرن من ثقل أردافهن = خلاخيلهن صوامت لسمن سوقهن
ومن ذلك ما قاله ابن شبرمة: ما رأيت لباساً على المرأة أزين من الشحم.
وقول الشاعر:
إذا تمشي تأود جانباها = وكاد الخصر ينخزل انخزالا
تنوء بها روادفها إذا ما = وشاحها على المتن جالا
ومثله وصف أعشى همدان امرأة ممتلئة:
ثقلت روادفها ومال بخصرها = كفل كما مال النقا المتقصف
قلت: والشواهد في هذا الباب أكثر من أن تحصر في عجالة.
ولأن الأيام دول، وللدهر غِيَر؛ فإنّ الزمان قد استدار بالمليئات، ودولاب العصر قد دار بهن؛ فنحين عن عرش الجمال، وقذفن عن منصة الوجاهة، وكل هذا بسبب ضغط الذوق الأوروبي من جهة، ورأسمالية دور الأزياء (اقتصاد القماش) من جهة أخرى.
ارتفع على إثر ذلك حظ النحيلات، فتقدمن بعد تأخير، وصرن تمثال الجمال في هذا العصر، وتاج الزينة في هذا العهد، وأما البدينات: فإن حظهن لم ينلن منه إلا الانكسار وضياع الأموال- والتي صارت إلى أطباء تكميم المعدة وشفط الدهون وأندية الرياضة الصحية!
وإني من هذا المنبر أدعو إلى رفع الضيم عن البدينات، والرأفة بتاجهن المكسور، وسوارهن المسلوب، ومجدهن التليد، مذكرًا بالقول المشهور: "ارحموا عزيز قوم ذل"، ومتمثلًا بقول الشاعر العربي القديم في وصفه جمالهن:
حَوراءَ، عجزاءَ، لم تُقذف بفاحشةٍ = هيفاءَ رعبوبة، مكمورةَ القَصَب