شرح الإيمان بقضاء
الله وقدره وحكمته في العقيدة الطحاوية
أن
الله عز وجل لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فلا أحد يمنع، وإذا أراد منعاً لشيء فلا أحد يعطيه (لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت) (1) .
قال تعالى: (ما يفتح
الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم) [فاطر: 2] .
فلا ند لله ولا ضد له فيما يأمر به وينهى عنه، خلاف المخلوقين فيوجد من ينازعهم ويقف ضد تنفيذ أوامرهم، فالمخلوقات كلها لها مشارك، فالخلق يتشابهون في العلم والاسم وفي كل شيء، في الأجساد والصفات، ويشتركون في الأفعال والأملاك والله سبحانه لا يشبهه أحد ولا يشاركه أحد.
فالله (إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) [مريم: 35] (لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب) [الرعد: 41] فالله عز وجل إذا قضى أمراً فلا يستطيع أحد أن ينقضه أو يرده، بخلاف المخلوق فقد يعطل تنفيذ حكمه وقد يُنقض.
___
(1) عن ورّاد كاتب المغيرة بن شعبة قال: أملى عليّ المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية: أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: "لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير،
اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
أخرجه البخاري رقم (844) ومسلم رقم (593)
(1/55)
آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلا من عنده:
وأن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا غالب لأمره) : وإذا أمر بالشيء لا أحد يغلب أوامره الكونية، أما أوامره الشرعية فقد تُعطل وقد تُخالف، وهذه للابتلاء والامتحان. ليترتب على ذلك الثواب أو العقاب.
كل ما سبق ذكره من أول العقيدة إلى آخرها، ندين لله به، وليس مجرد كلام بألسنتنا، بل هو من قلوبنا.
لما بين الشيخ -رحمه الله- في أول كلامه ما يجب من معرفة
الله سبحانه، واعتقاد أنه الرب المستحق للعبادة دون ما سواه، وأنه متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال التي هو متصف بها أزلاً وأبداً، لما بين هذا ووضحه، انتقل إلى ما يجب اعتقاده في الرسول عليه الصلاة والسلام. وقوله: "وإن محمداً عبده المصطفى.." هذا عطف على أول الكلام: "نقول في توحيد الله، معتقدين بتوفيق
الله إن
الله واحد لا شريك له…. " إلى آخره، ثم قال: "وإن محمداً…. " إلى آخره، فلابد من اعتقاد هذا، كما نشهد لله بالألوهية، كذلك نشهد للرسول صلى
الله عليه وسلم بالرسالة، ولذلك فالشهادتان دائماً متلازمتان.
"وأن محمداً" هذا اسمه عليه الصلاة والسلام المشهور به، وقد جاء في القرآن: (ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن
(1/56)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رسول الله) [الأحزاب: 40] ، وفي قوله: (وآمنوا بما نُزل على محمد وهو الحق من ربهم كفّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم) [محمد: 2] ، وفي قوله تعالى (محمد رسول
الله والذين معه) [الفتح: 29] ، وجاء أحمد في القرآن في قوله تعالى عن عيسى عليه السلام: (يا بني إسرائيل إني رسول
الله إليكم مصدقاً لما بين يديّ من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) [الصف: 6] .
وله أسماء جاءت في السنة، ذكرها ابن القيم في كتابه: "جلاء الأفهام".
والتعرف على الرسول صلى
الله عليه وسلم من واجبات الدين ومن أصول الإسلام، وقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في "ثلاثة الأصول": "الأصل الأول: معرفة الله، والثاني: معرفة نبيه، والثالث: معرفة دين الإسلام بالأدلة"، كما يجب عليك معرفة الله، كذلك يجب عليك معرفة نبيه صلى
الله عليه وسلم، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة. هذه أصول ثلاثة، وهي التي يسأل عنها الميت إذا وضع في قبره.
وقوله: (عبده) فهو عبد
الله عز وجل، … وليس له من الألوهية شيء، ولا من الربوبية شيء، وإنما هو عبد
الله ورسوله، مؤتمر بأوامره، منتهٍ عن نواهيه، مبلغ عن
الله عز وجل، وهذا فيه رد على الغلو فيه عليه الصلاة والسلام؛ لأن هناك من يغلون في الرسول عليه الصلاة والسلام، ويجعلون له شيئاً من الربوبية أو الألوهية،
(1/57)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويدعونه مع الله، وهذا غلو -والعياذ بالله- كما غلت النصارى في المسيح عيسى ابن مريم، وقالوا إنه ابن
الله أو
الله أو ثالث ثلاثة. ففي قوله: (عبده المصطفى) فيه ردٌ للغلو، فهو عبد، وكل من في الأرض والسموات عبيد لله عز وجل، قال سبحانه (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً) [مريم: 93] ، فالملائكة عبيد (بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) [الأنبيا: 26، 27] ، والأنبياء والرسل عبيد كما قال سبحانه في نوح عليه السلام: (كان عبداً شكوراً) [الإسراء: 3] ، وقال عز وجل: (فكذبوا عبدنا) [القمر: 9] ، وقال في داود: (واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب) [ص: 17] ، وقال في سليمان: (نعم العبد إنه أواب) [ص: 30] ، وقال في أيوب: (واذكر عبدنا أيوب) [ص: 41] ، وقال في عيسى: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل) [الزخرف: 59] ، فإذا كان الأنبياء والرسل والملائكة عبيد لله، وهم أشرف الخلق، فغيرهم من الأولياء والصالحين من باب أولى.
وأفضلهم محمد صلى
الله عليه وسلم، وهو آخر الأنبياء، وسماه
الله عبداً في قوله: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) [البقرة: 23] يعني: رسول
الله صلى
الله عليه وسلم، وقال تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده) [الفرقان: 1]
(1/58)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(سبحان الذي أسرى بعبده) [الإسراء: 1] ، ومقام العبودية هو أعلى المقامات، ولا شيء أشرف من العبودية لله عز وجل.
قال عليه الصلاة والسلام: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد
الله ورسوله" (1) .
ومعنى المصطفى: المختار، من الاصطفاء، وهو الاختيار، قال تعالى: (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصارإنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الداروإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) [ص: 45، 47] المصطفين: جمع مصطفى، وهو المختار، أصله مصتفى، ثم أُبدلت التاء طاء فصارت مصطفى؛ ليسهل النطق بها.
فالمصطفى هو المختار؛ لأن
الله سبحانه اختار محمداً عليه الصلاة والسلام للرسالة من بين قومه، والله أعلم حيث يجعل رسالته، فلا يختار إلا من يعلم أنه يستحق الاختيار، وأنه يقوم بالمهمة؛ لأن هذه المهمة صعبة وعظيمة، فلا يختار
الله إلا من هو لها أهل، قال سبحانه: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) [الأنعام: 124] .
___
(1) أخرجه البخاري رقم (3445) .
(1/59)
وأنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين وحبيب رب العالمين:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
و (المجتبى) بمعنى المصطفى.
والنبي: من أوحى إليه
الله بشرع ولم يُؤمر بتبليغه، والرسول: من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، وهذا أشهر ما قيل في الفرق بين النبي والرسول، ومعنى: أمر بتبليغه، أي: أمر بإلزام الناس وأن يقاتلهم على ما جاء به.
وكذلك النبي، يُوحى إليه ويدعو إلى
الله عز وجل، ولكن يتبع من قبله من الأنبياء ويمشي على طريق من قبله، ولا ينفرد بشريعة خاصة، مثل أنبياء بني إسرائيل، جاءوا بالتوراة ودعوا إلى التوراة التي أنزلها
الله على موسى عليه السلام.
و (المرتضى) بمعنى المجتبى والمصطفى، فالمرتضى بمعنى: أن
الله ارتضاه.
هذه من صفاته عليه الصلاة والسلام.
خاتم الأنبياء، ومعنى (خاتم) الذي لا يأتي بعده نبي، وختام الشيء هو: الذي يُجعل عليه حتى لا يزاد عليه ولا ينقص منه، فالله ختم الرسالات بمحمد صلى
الله عليه وسلم، قال جل في علاه: (ما كان محمداً أباً أحد من رجالكم ولكن رسول
الله وخاتم النبيين) [الأحزاب: 40] ، فلا حاجة لمجيء نبي بعده؛ لأن القرآن موجود، والسنة النبوية موجودة، والعلماء الربانيون موجودون، يدعون إلى
الله ويبصرون الناس؛
(1/60)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فدين محمد باقٍ إلى قيام الساعة لا يبدل ولا ينسخ ولا يغير؛ لأن
الله سبحانه جعله صالحاً لكل زمان ولكل مكان، أما شرائع الأنبياء السابقين فتكون مؤقتة لأممهم في فترة من الفترات، ثم ينسخ
الله تلك الشريعة بشريعة أخرى تتناسب مع الأمة الأخرى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) [المائدة: 48] . كما قال تعالى: (لكل أجل كتاب) أي لكل كتاب أجل.
فدين الإسلام كامل لا يحتاج بعد محمد صلى
الله عليه وسلم إلى رسول، والعلماء ورثة الأنبياء، فمن اعتقد أنه يأتي بعد محمد صلى
الله عليه وسلم نبي فهو كافر بالله خارج من الملة، وقد أخبر النبي صلى
الله عليه وسلم أنه يأتي كذبة يدعون النبوة من بعده، قال عليه الصلاة والسلام: "سيأتي بعدي كذابون ثلاثون، كلهم يدعي أنه نبي، وأنا خاتم الأنبياء لا نبي بعدي" (1) .
فمن ادعى النبوة أو ادعيت له النبوة ومن اتبعهم، فكلهم كفرة، وقد قاتلهم المسلمون وكفّروهم، وآخر من ادعى النبوة في الوقت الحاضر: القادياني الباكستاني الذي ادّعى النبوة له أتباعه القاديانية،
___
(1) عن أبي هريرة رضي
الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان، فيكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة، ولا تقوم الساعة حتى يُبعث دجّالون كذّابون قريباً من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول
الله ".
…أخرجه البخاري رقم (3609) ومسلم رقم (157/84) من كتاب الفتن.
(1/61)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويُسمون بالأحمدية نسبة إلى اسمه؛ لأن اسمه أحمد القادياني، وقد كفره العلماء وطردوه من البلاد الإسلامية، وكفَّروا أتباعه؛ لأن هذا تكذيب لله ولرسوله، وتكفيرهم بإجماع المسلمين، لم يخالف في هذا أحد.
فلابد للمسلم أن يعتقد أنه عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين، وإمام الأتقياء؛ يعني القدوة الوحيد للأتقياء الذين يتقون
الله عز وجل: (لقد كان لكم في رسول
الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا
الله واليوم الآخر) [الأحزاب: 21]
أما غير النبي صلى
الله عليه وسلم فيقتدى به إن كان يقتدي بالنبي صلى
الله عليه وسلم، أما من خالف الرسول عليه الصلاة والسلام فلا يجوز الاقتداء به: (قل إن كنتم تحبون
الله فاتبعوني يحببكم
الله ويغفر لكم ذنوبكم) [آل عمران: 31] ، فلا طريق إلى
الله إلا باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام والاقتداء به.
"وسيد المرسلين" هو عليه الصلاة والسلام سيد ولد آدم، كما قال عليه الصلاة والسلام: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" (1) أخبر الأمة
___
(1) أخرجه الترمذي رقم (3624) وأحمد 3/144-145 وقال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح. ويشهد له الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي
الله عنه بلفظ: "أنا سيد القوم يوم القيامة". وبلفظ: "أنا سيد الناس يوم القيامة"
…أخرجه البخاري رقم (3340، 4712) ومسلم رقم (194، 2278) .
(1/62)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بذلك من باب الشكر لله عز وجل، ولتشكر الأمة ربها عز وجل على هذه النعمة: أن جعل رسولها سيد الرسل.
و"سيد" معناه: المقدم والإمام، فهو أفضل الرسل عليه الصلاة والسلام: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" (1) أخبر الأمة
___
(1) أخرجه الترمذي رقم (3624) وأحمد 3/144-145 وقال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح. ويشهد له الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي
الله عنه بلفظ: "أنا سيد القوم يوم القيامة". وبلفظ: "أنا سيد الناس يوم القيامة"
…أخرجه البخاري رقم (3340، 4712) ومسلم رقم (194، 2278) .
(1/62)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بذلك من باب الشكر لله عز وجل، ولتشكر الأمة ربها عز وجل على هذه النعمة: أن جعل رسولها سيد الرسل.
و"سيد" معناه: المقدم والإمام، فهو أفضل الرسل عليه الصلاة والسلام، وإمامهم ومقدمهم.
و"حبيب رب العالمين" هذه العبارة فيها مؤاخذة؛ لأنه لا يكفي قوله: حبيب، بل هو خليل رب العالمين؛ والخلة أفضل من مطلق المحبة؛ فالمحبة درجات، أعلاها الخلة، وهي خالص المحبة، ولم تحصل هذه المرتبة إلا لاثنين من الخلق إبراهيم عليه الصلاة والسلام (واتخذ
الله إبراهيم خليلاً) [النسا: 125] ، ونبينا عليه الصلاة والسلام، فقد أخبر بذلك فقال: "إن
الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً" (1) . فلا يقال: حبيب الله؛ لأن هذا يصلح لكل مؤمن، فلا يكون للنبي صلى
الله عليه وسلم في هذا ميزة، أما الخلة فلا أحد يلحقه فيها.
___
(1) أخرجه مسلم رقم (532) .
…وعن عبد
الله بن مسعود رضي
الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت ابن أبي قحافة خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله" يعني نفسه صلى
الله عليه وسلم أخرجه مسلم رقم (2383) وعند البخاري بلفظ: "ولكن أخوة الإسلام ومودته"
(1/63)
وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى:
وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى بالحق والهدى، وبالنور والضياء:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذا سبق في معنى أنه خاتم النبيين، فكل دعوى للنبوة بعده فباطله وكفر؛ لأنه لا يأتي بعد نبينا عليه الصلاة والسلام نبي، وعيسى عليه الصلاة والسلام لما ينزل آخر الزمان فإنه لا يأتي على أنه نبي ورسول أو يأتي بشريعة جديدة، إنما يأتي على أنه مجدد لدين رسول
الله صلى
الله عليه وسلم، ومتبع لرسول
الله صلى
الله عليه وسلم، ويحكم بالشريعة الإسلامية.
كذلك، هذا ما يجب اعتقاده في النبي صلى
الله عليه وسلم، لا يكفي أن نعتقد أنه رسول
الله فقط، بل أنه رسول إلى الناس عامة، بل إلى الجن والإنس، قال سبحانه: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً) [سبأ: 28] ، وقال له: (قل يا أيها الناس إني رسول
الله إليكم جميعاً) [الأعراف: 158] فرسالته إلى الناس عامة، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فهو رسول للناس عامة، ووجبت طاعته على جميع الخلق، عربهم وعجمهم، وأسودهم وأبيضهم، وإنسهم وجنهم، فكل من بلغته دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام وجب أن يطيعه وأن يتبعه، فمن أقر أنه رسول
الله للعرب خاصة، كما يقوله طائفة من النصارى، أنه رسول
الله للعرب خاصة، وينكرون نبوته لغيرهم، فهذا كفر بالله عز وجل، وتكذيب لله عز
(1/64)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجل ولرسوله، فالله يقول: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً) [سبأ: 28] ، ويقول سبحانه: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً) [الفرقان: 1] فرسالته عالمية.
وقال عليه الصلاة والسلام: "كان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة" (1) . وكاتب رسول
الله صلى
الله عليه وسلم ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام، فدل على أنه مرسل إلى أهل الأرض كلهم، وأمر بالجهاد حتى يدخل الناس في الإسلام، فدل على عموم رسالته عليه الصلاة والسلام، فيجب اعتقاد هذا.
فتجب في حقه هذه الاعتقادات:
أولاً: أنه عبد
الله ورسوله.
ثانياً: أنه خاتم النبيين لا نبي بعده.
ثالثاً: أن رسالته عامة للإنس والجن.
ودليل عمومها للإنس: كما سبق من الآيات ومكاتبة النبي صلى
الله عليه وسلم.
وأما عمومها للجن: فلقوله تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قُضي ولوا إلى
___
(1) أخرجه البخاري واللفظ له رقم (335، 438) ومسلم بلفظ: "وبعثت إلى كل أحمر وأسود" رقم (521)
(1/65)