رانيا حفنى;
فى سنة 1614 قاد الراهب "كاتشينى" هجومًـا حادًا على علماء علم الفلك، حيث ندّد بعلم الرياضيات وعلم الفلك الشيطانى كما يصورة, واتهم جاليلو بالزندقة لأنه يتفحـّـص السماء بمنظاره. وبعد عدة أسابيع جاء الدور على راهب آخر اسمه "كاستيللى" اتهم جاليليو بالمروق عن الدين ونسب إليه قوله (إنّ الأرض تتحرك بينما السماء ثابتة) وقوله أنه (فى مناقشة الظواهر الطبيعية لا ينبغى الرجوع إلى الكتاب المقدس) وبناءً على هذا التحريض ضد جاليليو، قرّر الفاتيكان إجراء تحقيق معة وتقديمة للمحاكمة وانتهت هذة المأساة بنفية.
ووصل تعصب الكهنوت ضد "دانتى اليجيرى" (1265- 1321) بمصادرة أمواله وممتلكاته وإعدامه حرقــًـا إذا قـُـبض عليه داخل فلورنسا أو اقليمها, ومنذ ذلك التاريخ حتى وفاته لم تطأ قدما دانتى أرض وطنه وعاش مُـشردًا. وذلك لأنه رفض الكتابة باللغة اللاتينية، وفضـّـل استخدام لغة أهل فلورنسا التى كان يـُـطلق عليها العامية, مثلة مثل الشاعر بترارك والروائى بوكاتشو فهؤلاء الثلاثة ثاروا على اللغة اللاتينية (المقدسة) فى نظر الكهنوت الدينى والكهنوت الثقافى السائد, هذا بالطبع الي جانب رائعتة "الكوميديا الألهية".
كل هذا كان عبارة عن امثلة متواضعة عن تحول رجال الكنيسة إلى طواغيت وسياسيين محترفين خلال القرون الوسطي، والذين كانوا يروا ان الخضوع لهم ليس تطوعاً بل واجباً يقتضيه مركزهم الديني وسلطانهم الروحي.
ثم كانت الحركة الأصلاحية لمارتن لوثر الراهب المسيحي المنتمي للكنيسة الكاثوليكية؛ والذي سعي لأصلاحها بدءا من عام 1517 لكنة فشل ثم بدأ في تأسيس كنيستة الإنجيلية في وقت كان سائدا فية صكوك الغفران والتوسل بالقديسين. وبلا ادني شك كان لفكرة وحركتة الإصلاحية عظيم الأثر في وضع حجر أساس العلمانية في الغرب والتحرر من سلطة الكنيسة وجبروتها وظلامها وتخلفها الي الأبد. وما يعنينا هو أن حركة الإصلاح التي قادها مارتن لوثر تمخضت عن عقائد جديدة لكنها تنطلق من النصوص, دون الموروثات أو حتى التراث المسيحي.
بعد مرور قرون علي ما نتحدث عنة. علي ما اعتقد انة من الضروري في وقتنا الراهن ان ندرس التحول الذى حدث فى تجربة أوروبا، التى عاشتْ عدة قرون تحت سطوة وسيطرة مؤسسات الكهنوت الدينى على عقل المواطنين. وبعد معركة فكرية وعلمية خاضها العلماء والفلاسفة ضد الكهنوت الكنسى، لتنتصر العقلانية.
هذا وتعد العلمانية من اكثر الكلمات فى قاموسنا اللغوى تعرضاً للظلم البين والخلط الشديد عن عمد أو عن جهل، وهى قد اصبحت وصمة عار لكل من يتلفظ بها، أما من يجرؤ بأن ينتسب اليها فقد اقتربت رقبته من مقصلة التكفير فى راى دعاة الدولة الدينية. والسبب فهو أن العلمانية ستسحب البساط من تحت أقدام المستفيدين من دعوة الدولة الدينية والمنظرين لها فهى تدعو لحوار الأفكار على مائدة العقل وتعريتها من رداء القداسة الذى يغطيها به لبعض الدعاة للوصول إلى أهدافهم.
بأختصار تحية لكل أصحاب العقول الحرة والضمائر الحية، وكل من قادوا مسيرة الحرية والتنوير فى أوروبا، وبفضل دورهم التنويرى، تخلــّـصتْ أوروبا من الكهنوت الدينى، وأصبحتْ الكنائس هى المكان الوحيد للعبادة، وبالتالى عدم خلط الدين بالسياسة، وهو الأمر الذى لم يحدث حتي الأن فى الدول العربية.