1- قبل أيام قصدت مسجدا يصلي فيه أحد العلماء المعروفين - أبقاه الله على عافية وطاعة ونفع به - ، ولما أنهينا الصلاة وانفض الناس من المسجد تحيّنت فراغه من أذكاره ثم أقبلت عليه وهو متكئ على مِركاة لوحده ،
2 فقبّلت رأسه وجلست بجانبه فرحّب بي كعادته ثم شرعت في سؤالي ولما فرغ من الإجابة ، أخذ المصحف وكأنه يريد البدء في ورده المعتاد ، فرأيتها فرصة سانحة قبل مفارقتي له أن أسأله سؤالا أخيراً
لعلي أجد ما يجلو الله به الصدأ عن قلبي .
3 فقلت ؛ أحسن الله إليك قبل أن أنصرف أخبرني عن الآية التي إذا وصلتها لم تتعداها لغيرها حتى تظن أنك أوفيتها شيئاً من حقها تأملاً وتدبرا ؟
فسكت مهلة وهو مطرق رأسه ثم قرأ هذه الآية
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ الأعراف 175
4 ثم التفت إلي وعيناه تفيض من الدمع وقال : كثير يظن هذه الآية لعامة الناس ! لا .. بل هي لأهل العلم والعلماء ولا حول ولا قوة إلا بالله ! ثم أخذ يقلب يده وهو يقول : كيف يكون على طاعة ثم ينقلب إلى معصية ؟! يكون على الهداية ثم ينقلب إلى الضلال !
5 فعلمت أني نكأت جرحاً لم يندمل في قلبه - فأردت أن يحدثني عن الرجاء في لطف الله ورحمته حتى أخفّف عليه ،
قلت : آمنت بالله ياشيخنا وكيف النجاة ؟
6 فقال : "الدعاء ،الدعاء، الدعاء"
وإلا هل يعقل أن يكون أحد من أحباب الله وأوليائه ثم ينقلب عدوّاً لله ؟!
ثم أجهش باكياً وأخذ يضرب على فخذه وهو يرجو الثبات ويردد ؛ الله المستعان الله المستعان ..
فاستحييت منه وقبّلت رأسه وانصرفت وأنا أسمعه يرددها وهو يبكي حتى خرجت من المسجد !
7 ففكرت كم نغفل عن مثل تلك المعاني ؟!
وهذا الذي شابت لحيته في تحقيق كتب أهل الفقه والسنة وذو حظ من العبادة - كما نحسبه - كيف كان خوفه على إيمانه ولا حول ولا قوة إلا بالله !
اللهم بارك في علمه وعمله وارزقنا وإياه الثبات على هُداك حتى الممات أنت حسبنا ونعم الوكيل .