الحمد لله الذي له الأمر جميعا ومدبره الحمد لله الأول لا شيء قبله
الحمد لله الآخر لا شيء بعده الحمد لله الظاهر فوق كل شيء وقاهره والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير الوري وسيد الخلق اجمعين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ..
مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، فأخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله! لم فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا).
هذا حديث يتعلق بالطهارة التي هي التنزه من النجاسة. وفي الحديث دلالة على وجوب البعد عن النجاسة، وعلى أن البول من جملة النجاسات، وفي هذا الحديث
أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين -كأنهما جديدان- فأوحى الله إليه أو أطلعه على أنهما يعذبان، أو أسمعه شيئاً من عذابهما، فأخبر الذين معه بأنهما يعذبان، وأن الذي يعذبان فيه ليس كبيراً، أي: أنه ليس شيئاً صعباً ولكنه سهل، أو أنه يسير في أعين الناس. أحدهما: كان لا يستنز أو لا يستبرئ من البول، أي: لا يبالي بما أصاب البول من ثوبه
أو من بدنه.
والثاني: كان يمشي بالنميمة. ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم جريدة رطبة فشقها نصفين وغرزهما في كلا القبرين، من أجل التخفيف عنهما ما لم ييبسا، وهذا
يدل على أمرين:
أولاً: أن هذا مما أطلع الله عليه نبيه عليه الصلاة والسلام، ولم يكن لأحد غيره، والاطلاع لابد أن يكون بوحي.
ثانياً: نعرف أنه لم يفعل ذلك إلا للتحذير من هذين الأمرين، وهما: التهاون بالبول، والسعي بالنميمة، وبيان أنهما ذنبان مما يستحق العذاب بهما، وأن العبد يعذب بتهاونه
فيهما في قبره.
وأما قوله:
(وما يعذبان في كبير) ، فقد فهم منه بعض العلماء أنهما من صغائر الذنوب، وليس الأمر كذلك ؛ بل هما من الكبائر، وحينئذ فما معنى قوله:
(وما يعذبان في كبير)؟ قال بعض العلماء: معناه أن تداركه والإقلاع عنه ليس شيئاً صعباً، أو ليس كبيراً في أعين الناس؛ بل إن الناس يتساهلون به، ويعتقدون أنه من أيسر الأمور ومن أهونها، وأنه من صغائر الذنوب، ولكنه وصل إلى أن يعذب عليه في القبر. فالشيء الذي يعذب عليه في القبر لا يكون من الصغائر، ولهذا ورد في رواية أنه قال:
(وما يعذبان في كبير)، ثم قال : (بلى إنه لكبير)، فدل على أنه ليس بكبير عند الناس، ولكنه كبير عند الله، فلا يحتج بهذا على أنه ليس من الكبائر، بل هو من كبائر الذنوب.