لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:"اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"
ومراقبة العبد لله - عز وجل - أشد تعبًا على البدن من مكابدة قيام الليل وصيام النهار وإنفاق المال في سبيل الله.
وقد ذُكِر عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه كان يقول: إنّ لله في أرضه آنية، وإنّ من آنيته فيها القلوب، فلا يقبل منها إلا ما صفا وصلب ورق.
وقال الإمام ابن القيم: فهي أوانٍ مملوءة من الخير، وأوانٍ مملوءة من الشر. وكما قال بعض السلف: "قلوب الأبرار تغلي بالبر، وقلوب الفجار تغلي بالفجور".
ومعنى ذلك أن صفاء القلب لله - عز وجل - باتباع أمره ونهيه، ومشاهدة الصدق والإشفاق وصفاءه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبول ما أتى به قولاً وعملاً ونية، وصفاءه للمؤمنين بكف الأذى وإيصال النفع.
وأما قوله: "وصلب" فمعناه: قوي في إقامة الحدود لله - تعالى - والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقوله:"ورقَّ"فالرِّقةَّ على وجهين: رقَّةٌ بالبكاء، ورقَّةٌ بالرأفة.
وقد كان يزيد بن مرثد أحد التابعين البررة كثير البكاء، فقال له تلميذه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر:"ما لي أرى عينك لا ترفأ؟ فقال: وما مسألتك عنه؟ قال: فقلت له: عسى الله أن ينفعني به قال: يا ابن أخي، إن الله - عز وجل - توعَّدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار. والله لو لم يتوعدني إلا أن يسجنني في حمّام لكنت حَرِيّاً أن لا تجفَّ لي عين"- رضي الله عنه -، وأقر عينه برضوانه..