نبذ التفرق والحث على الاجتماع :
لقد وجدت من آثار الخطأ في تعيين أهل البدع كما ألمحنا سابقاً نشوب الخلاف بين أهل الحق بسبب ذلك ، فينبغي لأهل العلم أن يحذروا أسباب الفرقة لأن الاتفاق على كل مسألة أمر متعذر ، وأن يحرصوا على الاجتماع على الخير ، والاجتماع الذي نعنيه هو الاجتماع على ما كان عليه السلف الصالح . فإذا قيل لك عليك بالجماعة فلا يخطر ببالك جماعة بعينها في هذا الزمان ، بل المعنَى : عليك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه .
فالمقصود بالجماعة ، هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ولو كنت وحدك . يقول الإمام البربهاري رحمه الله تعالى (شرح السنَّة 105) " والجماعة ما اجتمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ا.هـ
● لكن مفهوم الجماعة قد ضل فيه أقوام ، فبعضهم نزل النصوص الواردة في الجماعة على جماعته فضلل الخارجين عنها كما فعل صاحب المدخل إلى جماعة الإخوان المسلمين ، وبعضهم كفرهم كما فعل أصحاب الهجرة والتكفير وقد سموا جماعتهم (جماعة المسلمين ) ، والحق وسط بين طرفين .
● وقد جاء في السنَّة ما يدل على ضرورة الاجتماع وعدم التفرق ، بل من حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك أنه حث أيضا على اجتماع الأجساد حتى يكون الظاهر عنواناً للباطن .
ففي سن أبي داود والدارمي ومسند الإمام أحمد بإسناد على شرط الشيخين:
عن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ قَالَ : ( كَانَ النَّاسُ إذا نَزَلُوا مَنْزِلا - قَالَ عَمْرٌو كَانَ النَّاسُ إذا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مَنْزِلا - تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالأوْديَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إن تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالأوْدِيَةِ إنما ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلا إلا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ حَتَّى يُقَالَ لَو بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ )
وفي صحيح مسلم :
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : ( خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ اسْكُنُوا فِي الصَّلاةِ قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حلَقًا فَقَالَ مَالِي أَرَاكُمْ عِزِينَ قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ ألا تَصُفّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأول وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ )
وعند أبي داود :
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : ( دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم الْمَسْجِدَ وَهُمْ حِلَقٌ فَقَال مَالِي أَرَاكُمْ عِزِينَ ) حَدَّثَنا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأعْلَى عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ عَنِ الأعْمَشِ بِهَذَا قَالَ كَأَنَّهُ يُحِبُّ الْجَمَاعَةَ .
فهذه النصوص وغيرها كثير ، تدل على أهمية هذا الأمر ، لكن لا يجوز حملها على غير ما فهمه السلف وطبقوه وجرى عليه العمل .
فما نشاهده من تفرق في هذا الزمان إنما هو بسب قلة العلم و إتباع المتشابه وعدم سلوك الجادة التي سلكها السلف الصالح رضي الله عنهم ، مع أسباب أخرى سبق الإشارة إلى بعضها .
لكن الذي يهمنا هنا أن نحرِّص طلبة العلم على العمل على توحيد الصف و أن لا يجعلوا من الأمور الاجتهادية سبباً للفرقة فإن الاتفاق على كل شيء أمر مستبعد ، لكن لابد أن نفرِّق بين المسائل التي يسوغ فيها الخلاف والتي لا يسوغ فيها الخلاف ، وهذا الباب باب واسع وفيه فقه لا يحصِّله إلا من وفقه الله لذلك .
لكن الذي يهمنا هنا هو التفريق بين الخلاف الذي يكون في دائرة أهل السنة والجماعة فقد يكون اختلاف تنوع وقد يكون اختلاف في الأساليب بل قد يكون اختلاف تضاد ، فما دام في هذه الدائرة فالخطب يسير ، لكن الخلاف الذي يضلل به صاحبه ويكون خارج هذه الدائرة هو الذي يجب أن نجتمع على رده والإنكار على صاحبه وهذا هو الذي سرت عليه في هذه الرسالة فما أصبت فمن الله وما أخطأت فيه فمن نفسي والشيطان .
__________________
قال صلى الله عليه وسلم : سيأتي على الناس سنوات خداعات ، يصدق فيها الكاذب ، و يكذب فيها الصادق ، و يؤتمن فيها الخائن ، و يخون الأمين ، و ينطق فيها الرويبضة . قيل : و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة