لم يكن يتخيل أحد أن تمر مصر بعد الثورة بأيام عجاف، كتلك التي مرت عليها في عهد مندوب الإخوان في القصر الرئاسي الدكتور محمد مرسي.. فها هي أيام حكمه تمر ثقيلة بأقدام حجرية تسحق طموحات المصريين وأحلامهم بالتغيير والعدل والرخاء، وتمحو تضحياتهم التي قدموها بنبل وشجاعة طوال ثمانية عشر يومًا، حتى رحل مبارك. ولم نكن نتوقع أن يأتي لنا الصندوق برجل يعود بمصر للخلف بهذه السرعة الجنونية فيصطدم بكل فئات الشعب وطوائفه رغبة في السيطرة والاستحواذ على كل مؤسسات الدولة وتفريغها من قياداتها ليحل محلها عناصر إخوانية لا يقال عنها إلا كما يقول المثل الشائع "ليس لهم في الثور ولا الطحين".
""
ومن يتابع سياسة الرئيس محمد مرسي وقراراته وخطاباته يظن أن الرجل لم يصل لحدود علمه أن مصر بها ثورة.. وأن هذه الثورة لها أهداف ومطالب وأن الصدام مع الجيش الذي استهل به مرسي فترة حكمه وإبعاد قادته الذين سلموه السلطة ومحاولتهم استبعاد القضاة الذين أشرفوا بنزاهة على الانتخابات الرئاسية بحجة تطهير القضاء، لم يكن من بين أهداف المصريين حينما ثاروا.. وأن اختلاق معارك وهمية مع الإعلاميين لتشويه صورتهم وتنصيب صحفي إخواني وزيرًا للإعلام لم يكن من ضمن طموحات المصريين.. وأن الشعب لم يخرج للميادين ويطالب بإسقاط مبارك ويدفع حياته ثمنًا للتغيير من أجل أن يودع الأمير القطري بضعة مليارات في البنوك المصرية، أو أن يتسول الرئيس من صندوق النقد الدولي أو أمريكا أو روسيا أو بلاد الخليج؛ بل من أجل إصلاحات حقيقية للاقتصاد المصري. المصريون عانوا في عهد مبارك من قانون الطوارئ واعتبره الإخوان جريمة تصل لدرجة التحريم لما فيه من تقييد لحرية الإنسان وتغييبه بالسجون دون ذنب يذكر، وعندما تولوا السلطة كادوا أن يخرجوا على الناس زاعمين أن قانون الطوارئ ورد ذكره في القرآن. كل المظاهرات التي نظمتها التيارات الإسلامية وعلى رأسها الجماعة أيام حكم مبارك، طالبت بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد وقطع العلاقات مع إسرائيل من باب التحريم، وعندما جلس مندوبهم على عرش مصر، أصبحت هذه العلاقات وهذه الاتفاقية من شيم الإسلام! رأى المصريون في مبارك "فرعون" يجثم على البلاد والعباد، فكل الصلاحيات بيده وعندما رحل فوجئوا بفرعون جديد زادت سلطاته عن سابقه باستحواذه على السلطة التشريعية! الاتفاقيات في العهد السابق بما فيها اتفاقية "الكويز" لاقت معارضة كبيرة من الإخوان بدعوى أنها تدمير للاقتصاد المصري ومهادنة لليهود، وفي عهدهم لا مانع من تأجير قناة السويس لقطر وإعطاء السودان حلايب وشلاتين!
""
عندما اقتحم الشباب الثائر السفارة الإسرائيلية في عهد المجلس العسكري، اعتبرها الإخوان نوعًا من البطولة والوطنية يستحق من فعلها التكريم والإشادة، وحينما تظاهر الشباب مؤخرًا أمام سفارة طهران بالقاهرة، خرج الإخوان واعتبروا الفعل من أفعال البلطجة وجريمة يعاقب عليها القانون!
""
كان الإخوان يعتبرون أن كل مَنْ ينتقد الرئيس السابق من الإعلاميين أو من شيوخ التيارات الدينية وطنيون ومن الأبطال، وبعد أن أتى منهم الرئيس باتوا يصفون مَنْ يهاجمه بالحماقة والبذاءة والعمالة! سياسة مرسي الداخلية والخارجية لم تختلف عن مبارك، فها هو منذ أن وطأت قدماه قصر الرئاسة لم يتحدث عن العشوائيات التي باتت قنبلة احتمال انفجارها في أية لحظة قائم، كما لم يتحدث عن البطالة وكيفية حل أزمة ملايين الشباب من العاطلين. وعلى الصعيد الخارجي تركزت كل زيارات مرسي للخارج على استجداء المعونات والمنح والقروض، تمامًا كما كان يفعل سلفه، بدلا من العمل على أن تستغني مصر الغنية بثرواتها وسواعد أبنائها عن الخارج، فالرئيس لم يصل إليه بعد أن أزمة مصر الاقتصادية لن يحلها الاستجداء وطلب المساعدات؛ بل تحلها رؤية واضحة وخطط حقيقية لمشروعات عملاقة تصل بمصر إلى بر الاستغناء والاستقواء بمواردها وعرق أبنائها. افتخر مبارك بعناده، وأنه يفعل ما لا يريده الشعب، لدرجة أنه قال ذات مرة "معي دكتوراه في العند"، وأيضا مرسي وجماعته يمارسون ذلك العند بدعوى أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة وأنهم يعلمون ما لا نعلم، ولذا لا يرون غضاضة في السعي لأخونة كل مؤسسات الدولة، الأمر الذي يهدد الدولة بالانهيار. 300 يوم مرت من حكم مرسي.. ومازالت مصر ترجع إلى الخلف.. 300 يوم عجاف عاشها المصريون ومازالت تنتظرهم أيام أصعب من تلك التي مرت، مادامت جماعة الإخوان قابعة هناك في القصر وفي يدها مقاليد السلطة التي لا تعرف عن توليها ومسئولياتها شيئًا!